الليبرالية.. ومصطلحاتٌ برَّاقة للطغيان

 الملحق الثقافي:آنا عزيز الخضر:

مصطلحاتٌ براقة، قيمٌ ساحرة لكلِّ العقول البشرية، ومفاهيم تخلب الألباب كمعانٍ مجردة، يحاول العالم الغربي تعميمها، باسم الليبرالية الجديدة التي تقتلع بأصولها المرء من جذوره، ليرى من آمن بها وصدقها، بأنها متخلفة وﻻبدَّ من نسفها ونسف كل ما بني على أساسها.
نعم. إن الليبرالية الجديدة تُلغي الحضارة باسم الحداثة، وتُلغي أيضاً كلّ ما من شأنه أن يقف في وجه تلك الفردية الأنانية التي تُقصي كل قيمة إنسانية أو وطنية، لتسيطر الفوضى والغوغائية، مرسخةً بذلك مجتمعاً هشَّاً تغيب فيه المعايير والقيم والضوابط، لتفتح الأبواب بالتالي، لكلِّ ما ينخر المجتمع من داخله.
أفكارٌ ومفاهيمٌ أريد منها السيطرة على العقول والمجتمعات، كي تمحى هويتها وملامحها. من هنا، فإن من الضروري مواجهتها، وحتماً تتصدر الثقافة بكلّ مجالاتها هذه المهمة. مواجهة هذه الليبرالية الشرسة، بما تهدف إليه من دمار المجتمعات.
حول هذه المواجهة، كان للكاتب الدرامي «فهد مرعي» رأيه الذي قال فيه عنها، وعن كيفية قيام الدور الدرامي والثقافي بمواجهتها:
«برأيي الخاص، وراء الليبرالية الجديدة من يروج لها، وهي ليست إلاّ تخريباً عبثياً منظماً، يُقصد به العبث وإفساد المجتمع، وبالتالي التأثير على الدول التي تحاول ما أمكن، القضاء على الفساد الذي يودي بطبيعته إلى الإرهاب أو الرهاب.
أمّا بالنسبة لدور الثقافة وإمكانيتها في إيقاف هذا المد، والحدّ من مخاطره، فلا يكفي دون ممارسة هذه الثقافة، وتقديم البديل والحجة الدامغة على فشل هذه النظرية ونجاح أخرى، وعبر العديد من الوسائل الثقافية التي تملك تأثيرها على الناس، وباعتقادي أن الدراما الحاضرة دوماً، يمكن لها أنا تعالج الكثير من القضايا التي تحارب هذه الأفكار، وترسّخ الوجهة الأخرى التي تملك النقيض من الأفكار التي تهدف إلى هدم المجتمع ثقافياً واجتماعياً، وفي كل الاتجاهات.
مسؤولية الثقافة كبيرة، وبكل ما تعنيه الكلمة من معنى، لمواجهة السعي الدائم لتعميم تلك المفاهيم والقيم التي تسعى إلى تدمير المجتمعات، عبر التغلغل والسيطرة من خلال مصطلحات براقة، يُقصد بها تكريس بناء اجتماعي هش، تحت عناوين مزيفة، لأن كل مجتمع يتمتع بسماتٍ لا تنطبق على المجتمع الآخر، ودائماً ننظر إلى الغرب على أنّه مثال يُحتذى به، دون أن نعلم كم عبثت النظريات الوضعية فيه، حتى وصل إلى هذه المرحلة.. غير هذا وذاك، لا بد من مواجهة الفكر العبثي المنتشر حالياً على السوشال ميديا، وكلمة أنا حر أصنع ما أريد، وليس لكم أي علاقة بي، والترويج لها ودعمها. أيضاً، مواجهة الحرية والعدالة والمساواة دون ضوابط، والتي هي عكس ما قُصد منه تماماً، وهذه الكلمات العظيمة تولف في اتجاهٍ معاكس، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
هنا يأتي دور الثقافة، للحدِّ منها ومواجهتها، لأننا إن تعمقنا في ماهيتها وأبعادها، يتضح الأمر دون نقاش، فاللِّيبرالية هي فلسفة سياسية أو رأي سائد تأسست على أفكار الحرية والمساواة، ورفضت المفاهيم الشائعة في ذلك الوقت من امتياز وراثي، ودين دولة، وملكية مطلقة والحق الإلهي للملوك، وغالباً ما يُنسب لفيلسوف القرن السابع عشر «جون لوك» الفضل في تأسيس الليبرالية باعتبارها تقليداً فلسفياً مميزاً.
فدائماً ما تبهر المظاهر البراقة الأعين وتسلب العقول، وكلنا يعلم أنّها ليست إلاّ مظاهر برّاقة، والأمثلة كثيرة. مثال الحرير الصناعي الذي حلّ محل الحرير الطبيعي، مع العلم أننا جميعاً نعلم أن الحرير الطبيعي أكثر ديمومة وألقاً من الحرير الصناعي، فكيف وإذا كان خطاب العقل يوافق هوى السماع والمتلقي. نعم الحرية الفردية والطموح والاستقلالية والهروب من الضوابط الأخلاقية، هو ما ذهبت إليه الليبرالية الجديدة أو الحديثة.
تنوعت الطروحات الخاصة بالليبرالية، وأصبحت طموحاً لكل مستسهل للوصول إلى القمة، ويبدو أن من قام على تحديثها رغم إثبات فشلها على مر وجودوها وزمانها، مدفوع من عدة مؤسسات تقصد التخريب والعبث في معتقدات الناس وإلهاءهم عمّا ما هو مهم لهم.
حيث يعتقد الكاتب البريطاني «مون بيوت» أن عدم معرفة الناس باسم هذا النظام وحقيقته، أحد أعراض وأسباب قوته، فقد لعبت الليبرالية الجديدة دوراً رئيسياً في مجموعة من الأزمات منها: الانهيار المالي الذي حدث في عام 2007. وانتشار مراكز الأوفشور المالية (Offshore) وهو مصطلح يتعلق بمجال الضرائب. ما يسمّى مناطق الأوفشور، هي مناطق أو دول تتراكم فيها رؤوس الأموال الأجنبية، نظراً لإعفاءات وشروط ضريبية خاصة في تلك المناطق التي يخفي فيها الأثرياء أموالهم بعيداً عن سلطات الضرائب، والانهيار البطيء في قطاعات الصحة والتعليم، زيادة الفقر، انتشار الأمراض النفسية، انهيار النظم البيئية، وصعود دونالد ترامب، ولكننا نتعامل مع هذه الأزمات كما لو أنها ظواهر معزولة، غير مدركين أنها جميعاً قد ظهرت وتفاقمت بسبب هذا النظام الذي يعمل وينشط ويؤثر دون أن يكون له اسم.
وترى «الليبرالية الجديدة» أن المنافسة هي السمة المميزة للعلاقات الإنسانية، وتعيد تعريف المواطنين بوصفهم مستهلكين، تتمثّل أفضل خياراتهم الديمقراطية في قراراتهم المتعلقة بالبيع والشراء، والبيع والشراء عملية تُكافئ الجدارة، وتُعاقب عدم الكفاءة، فالسوق يحقق فوائد لا يمكن تحقيقها من خلال التخطيط المركزي للدولة.
أما على المستوى الفكري، فهي تتلاقى بكثير من النقاط بالفكر الماسوني الذي يزين أفكاره بنفس المصطلحات. العدالة والمساواة والحرية، ولكن مع التحفظ على الكلمات البرّاقة التي تزين للمستفيدين، ومن يظن نفسه مستفيداً من هذه الشعارات، ماذا يحقق؟.. حرية من؟! وعدالة من؟! والمساواة مع مَن؟!.
مثال، بمن يساوي الفرد نفسه وعلى أي أساس؟. هل على أساس العمر أو التقدم بالسن، أو الخبرة أو المعرفة؟.. كلها تفاصيل، ولا يكمن الشيطان إلا في التفاصيل.
كل من هذه الكلمات لها معانٍ فضفاضة كما أظن، وفي جميع اللغات. هذه الكلمات كلمات حقٍّ أُريد بها باطل. وقد أثبتت فشلها اجتماعياً في أوروبا، ونقلها المتحذلقون العرب كما هي، حتى دون تصرف، ما أغرى جيل الشباب على التشبث بها، ليصبحوا بعد فترة من الزمن منبوذين ممن حولهم.
وأعتقد أنّ اليد العابثة التي جلبت هذه المصطلحات إلى بوتقتنا، ليس هدفها تطوير الإمكانات كما تدعي في كثير من المحافل، وإنّما لتلعب في مصائر البشر ليس إلاّ، وعن طريق تزيين الأحلام لهم.
عندما اجتمعوا في منتصف القرن الماضي في أوروبا، ليصدروا هذه النظرية، كانوا مدركين تماماً، بأنّهم قادرون على إفشال باقي النظريات والأيدولوجيات التي كانت منتشرة ذلك الحين، وعن طريق العبث بأفكار الجيل الجديد.

التاريخ: الثلاثاء26-1-2021

رقم العدد :1030

آخر الأخبار
الرئيس الأسد يصدر قانون إحداث وزارة “التربية والتعليم” تحل بدلاً من الوزارة المحدثة عام 1944 هل ثمة وجه لاستنجاد نتنياهو بـ "دريفوس"؟ القوات الروسية تدمر معقلاً أوكرانياً في دونيتسك وتسقط 39 مسيرة الاستخبارات الروسية: الأنغلوسكسونيون يدفعون كييف للإرهاب النووي ناريشكين: قاعدة التنف تحولت إلى مصنع لإنتاج المسلحين الخاضعين للغرب الصين رداً على تهديدات ترامب: لا يوجد رابح في الحروب التجارية "ذا انترسبت": يجب محاكمة الولايات المتحدة على جرائمها أفضل عرض سريري بمؤتمر الجمعية الأمريكية للقدم السكرية في لوس أنجلوس لمستشفى دمشق الوزير المنجد: قانون التجارة الداخلية نقطة الانطلاق لتعديل بقية القوانين 7455 طناً الأقطان المستلمة  في محلجي العاصي ومحردة هطولات مطرية متفرقة في أغلب المحافظات إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم السوداني يعلن النتائج الأولية للتعداد العام للسكان في العراق المتحدث باسم الجنائية الدولية: ضرورة تعاون الدول الأعضاء بشأن اعتقال نتنياهو وغالانت 16 قتيلاً جراء الفيضانات والانهيارات الأرضية في سومطرة الأندونيسية الدفاعات الجوية الروسية تسقط 23 مسيرة أوكرانية خسائر كبيرة لكييف في خاركوف الأرصاد الجوية الصينية تصدر إنذاراً لمواجهة العواصف الثلجية النيجر تطلب رسمياً من الاتحاد الأوروبي تغيير سفيره لديها