يحاول الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن إعطاء صورة مغايرة لحقيقة السياسة الأميركية القائمة على الهيمنة والغطرسة، ويسعى لغسل أوساخ تلك السياسة عبر التخلص من بعض إرث سلفه ترامب، عله يعيد بعضاً مما كان قد سماه مؤخراً ” كرامة” البيت الأبيض، ومهد لذلك بالعودة إلى اتفاق باريس للمناخ، وإلى منظمة الصحة العالمية، وإنهاء الحظر المفروض على دخول رعايا دول ذات أغلبية مسلمة إلى الولايات المتّحدة، ووعد كذلك بالعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، وكل ذلك لا يخرج عن إطار امتصاص النقمة العالمية على سياسة البلطجة التي ورثها ترامب من أسلافه السابقين ممن حكموا البيت الأبيض، والمرجح أن يستكملها بايدن نفسه، ولكن بتكتيك وأسلوب مختلفين، فهو بالنهاية يبقى مدير تنفيذي بصفة رئيس، وتنحصر مهمته بتنفيذ ما ترسمه الحكومة العميقة من سياسات للمرحلة القادمة.
ربما يستطيع الرئيس الجديد إقناع حلفاء بلاده التقليديين بالصورة الجديدة التي يحاول إظهارها، وهو عازم بالفعل على ترميم العلاقات معهم بعدما خربها ترامب، لأنه بحاجة لهم أكثر من أي وقت مضى، لمساعدته على تثبيت “الزعامة” الأميركية على العالم، ولكن ماذا عن بقية الدول التي يستهدفها الإرهاب الأميركي منذ زمن طويل؟، وإلى متى ستبقى القوات والقواعد الأميركية جاثمة على صدور الكثير من الشعوب، تعبث بأمنها واستقرارها، وتسلبها المزيد من ثرواتها ومقدراتها؟، وماذا عن التنظيمات الإرهابية التي تمتطي أميركا سرجها؟، وماذا أيضا عن المنظمات والهيئات الأممية المرتهنة للقرار الأميركي؟، والأهم ماذا عن سلاح العقوبات الذي تشهره في وجه كل من يعارض سياساتها العنصرية؟.
خلال نحو أسبوع مضى على تسلم بايدن مقاليد الحكم لم يحدث أي شيء جوهري يشير من قريب أو بعيد إلى إمكانية أن تعيد الإدارة الجديدة مقارباتها تجاه الملفات والقضايا الدولية الساخنة التي يهدد تأجيجها أميركيا بتقويض الأمن والسلم العالميين، قد يقول البعض إنه من المبكر جداً تلمس هذا التغيير، ولكن لو أخذنا سورية على سبيل المثال لا الحصر، لوجدنا أنه خلال الأسبوع المنصرم أدخلت قوات الاحتلال الأميركي المزيد من الأسلحة والعتاد إلى قواعدها غير الشرعية في منطقة الجزيرة لتكريس احتلالها، وأخرجت كميات مضاعفة من القمح والنفط المسروق، ونقلت المئات من إرهابيي داعش، وأعادت زرعهم في منطقة البادية، وأعطت ذراعها الإرهابي “قسد” الضوء الأخضر للتمادي بجرائمها في الحسكة، فماذا سيكون عليه الحال بعد شهر إذاً؟
اجتماعات لجنة مناقشة الدستور في جولتها الخامسة بدأت في جنيف، هل ستتوقف واشطنن بقيادة بايدن عن التدخل في مسار عملها؟ وهل سنجد طروحات واقعية من جانب الطرف الآخر المرتهن للمرجعية الأميركية تشير إلى إمكانية إحداث تغيير في التعاطي الأميركي على مسار الحل السياسي؟، وهل ستفضي هذه الجولة إلى اتفاق حول المبادئ الوطنية التي ركز عليها الوفد الوطني خلال الجولة السابقة باعتبارها من المسلمات الوطنية لأي دولة؟، فكل ما ستؤول إليه هذه الجولة من نتائج، إيجابية كانت أم سلبية، هو مقياس يحدد توجهات سياسة إدارة بايدن، ويكفي أن نلمس تعاطيا أميركيا جديدا تجاه الحرب الإرهابية على سورية، ومفرزاتها السياسية والاقتصادية، حتى نعرف مدى جدية بايدن بغسل أوساخ سياسة بلاده -التي كان هو نفسه جزءا من صناعها- ليس تجاه سورية وحسب، وإنما تجاه الكثير من دول العالم المستهدفة بسياسة الإرهاب الأميركي.
نبض الحدث- ناصر منذر