الملحق الثقافي: هفاف ميهوب :
تختلفُ نظرتنا للأشياءِ باختلافِ حالاتنا الاجتماعية، وتتبدّل وفقاً لها أيضاً، والأشياءُ هي كلّ ما يمكن أن تقع عليه العين، أو تسمع به الأذن، فقد يكون الشيء فكرةً أو عملاً أو مُلكاً من ممتلكاتنا، أو حتى زهرة، أو ضوء الشّمس ونور القمر.
والحالة الاجتماعية رهينة الحالة المادية، وتبعاً لها قد تتبدّل المشاعر وتتحوّل الأهداف، فشعور الثريّ لدى شرائه زهرة نادرة، يختلف عن شعور الفقير الذي يعمدُ إلى زراعةِ زهورٍ ونباتاتٍ، يأتي بها من الطبيعة مجاناً وتنمو بين يديه حسبَ تعامله معها، فالزهرة النادرة لها بيئتُها، وهي ليست نادرة فيها، لكنها نادرة خارجها، وتحتاجُ لعنايةٍ خاصة قد تكون مُكلفة.
فهل هناك أنواعٌ من الزهور خاصة بالفقراء، وأخرى خاصة بالأغنياء؟!!. وهل تُدرك الزهرة هذه الفوارق الاجتماعية، وبأن اختيارات الإنسان هي التي ترفع قيمة زهرة، وتحطُّ من قيمة أخرى؟!!.
ويبقى الياسمين، يُعرِّش على بوابة الفقير، كما يعرِّش على بوابة الغني. يمنحهما عطر روحهِ دون تمييز، إلا أن الغني غالباً ما يستخدمه سياجاً لمنزله، فماذا يخبِّئ خلف السياج يا تُرى؟!.
قد تكون حديقته الخاصة، وفيها بعض الزهور النادرة والمنقولة عبر البحارِ من بيئة لأخرى، وقد تُعطي زهرةً واحدة كلّ عام، عكس الياسمين الذي يُغدق في العطاء دون حسابٍ..
هي رؤيةٌ تدفعنا للقول: الياسمين يشبه الفقراء في عطائه اللامحدود، ودون أن ينتظر مقابلاً، إلا إشاعة العطر والجمال.
لكن، كيف للياسمين أن يمنح الأغنياء، كما يمنحُ الفقراء؟!.. كيف يقبلُ أن يكون سياجاً، لحدائقِ البخلاءِ مثلما الكرماء؟!!
أعتقد أنه أراد أن يُرضي ذاته العَطِرة، فهو يكبر ويتدلّى على الجدران باتجاه الطرقات حيثُ عامة الناس، ليمنح العشّاق الفقراء، أكثر مما يمنح الأثرياء..
إنهُ كَرَمُ الياسمين، فلنتَّخذه أسلوب حياة، ولنكن كرماء مثله، لا بخلاءَ كزهرةٍ نادرة..
التاريخ: الثلاثاء16-2-2021
رقم العدد :1033