معاناة الناس الشديدة مع الازدحام المدهش على منافذ بيع الخبز، كانت أمس على طاولة اجتماع مجلس الوزراء الأسبوعي، إذ تم لفت الانتباه إلى استمرار الجهود لتأمين حاجة البلاد من مادة الطحين،مع وعد أن النتائج الإيجابية ستظهر خلال الأيام القليلة القادمة.
إنه لخبر مفرح دون شك، ولاسيما أن الازدحام على الأفران قد وصل إلى مشاهد غير مسبوقة، وسط تهافت كل من يسعى إلى ربح مجز وسريع إلى بيع الخبز على الرصيف، والمضطر الخائف من ازدحام قد يقود إلى نشل هاتفه النقال أو أمواله، يشتري ربطة الخبز ذات السبعة أرغفة بـ ٧٥٠ليرة وأحياناً بألف ليرة حسب شدة الازدحام، علماً أن سعرها الرسمي ١٠٠ليرة سورية وهي مدعومة بـ٥٠٠ ليرة ذلك أن تكلفتها على الدولة ٦٠٠ليرة سورية.
ثمة مثل شائع يقول: البرميل المثقوب لا يمتلئ أبداً، وما من شك أن موقف الحكومة صعب جداً مع استمرار بعضهم في تهريب الطحين، وتهافت عدد كبير على لعبة -الكشتبان الجديدة – غرف أرباح كبيرة بسرعة ويسر وبساطة من خلال الحصول على الخبز من الأفران الحكومية وبيعه على الأرصفة بأسعار خيالية. ( هناك من يربح في يوم واحد ٣٠ ألف ليرة سورية..!)،والأمر ليس لعبة وليس عادياً أبداً وهو خطير.
وليست هذه أول مرة يخصص فيها مجلس الوزراء حيزاً كبيراً من جلسته للخبز، وفِي كل مرة، نشهد انفراجاً، وتراجعاً للازدحام، ثم تعود الأمور إلى ما كانت عليه، فما الجديد هذه المرة الذي يجعلنا نتفاءل أن الشدة إلى زوال..؟
إنني أراهن هذ المرة على دعوة مجلس الوزراء، إلى الحضور الميداني للمعنيين، والتشدد في مراقبة الأفران وزيادة منافذ البيع الخاصة بالمعتمدين.
نعم نزول المعنيين إلى الميدان هو الأهم لخبز أفضل وأسواق أرحم ليس الآن وفِي ظل هذا الوجع المؤلم من الازدحام والغلاء، وقت الجلوس في المكاتب، انزلوا إلى الحارات، نظموا، رتبوا، وراقبوا، وامنعوا الخطأ.
لمن هذا الكلام ….؟ لجميع المعنيين، سواء بالمسألة التموينية أم راحة الناس واستقرار الأسواق، وهنا يدخل على الخط الهيئات الشعبية والجمعيات الأهلية التنموية إذ يطالب مجلس الوزراء بتكاتف جهود الجميع، ومثلما نقول في مواجهة عدوان خارجي: الوطن في خطر، نردد في مواجهة صعابنا الاقتصادية، أن التحدي كبير ويحتاج إلى شحذ الهمم، وحيوية وحماسة في الأداء الرسمي والشعبي، بمعنى أن اللقمة يجب ألا تكون متروكة، سواء أكانت خبزاً أم أي مادة غذائية أساسية.
ويغتني التفاؤل هذه المرة، بخلاص مهم من الازدحام المقيت وآثاره السلبية على حياة الناس (كحرمانهم من نعمة الخبز السورية واضطرارهم إلى الشراء بسعر مرتفع، أو حرمانهم من الحصول على الرغيف، وهذا أمر مخيف في ظروف غلاء كل شيء بالمقارنة مع الرواتب والأجور الراهنة)، من خلال دعوة مجلس الوزراء إلى زيادة منافذ البيع والمعتمدين، وأرى في هذه الدعوة ملامسة لما يعرف بالبعد السكاني لقضايا الحياة. أسوِّق مثالاً، ففي المزة بمدينة دمشق افتتح فرن آلي قبل ٤٥سنة ( ١٤طناً في اليوم)، ولَم يفارقه الازدحام منذ أيامه الأولى، فما بالكم اليوم وقد ازداد عدد سكان المنطقة عشر مرات، وباتت بحاجة إلى عشرات منافذ بيع الخبز وربما إلى فرنين مماثلين له على الأقل.
إن هذه المقاربة للمسألة السكانية، مهمة جداً في حياتنا التموينية الراهنة وفِي سعينا إلى حصول سلس على الغذاء اليومي بأسعار منضبطة على أرباح قانونية، والاستفادة من الدعم المالي الحكومي لكثير من المواد الأساسية.
وفِي زمن الاتصالات السريعة، لم يعد صعباً أن يتابع مجلس الوزراء، وقائع تنفيذ طلباته وتعليماته وأوامره على الأرض، (وهي تجسد شغف الناس)، وأن يضع حداً للتراخي والإهمال والمكوث في المكاتب.
اخرجوا إلى الناس وساعدوهم بكبركم وهيبتكم وما لديكم من أدوات ووسائل لترسيخ عدالة القوانين.
أروقة محلية- ميشيل خياط