الثورة اون لاين – نهى علي
أخفقت المؤسسات المعنية بتنمية المشروعات الصغيرة والأخرى متناهية الصغر، بإحداث فعل حقيقي تنموي على الأرض، وهو إخفاق مقلق لأن حجم التعويل على هذه المشروعات كان كبيراً، في البعدين الاقتصادي والاجتماعي.
وكانت مشكلة التمويل وسقوف التمويل عبر المصارف أحد أكبر المشكلات التي يتذرع بها المعنيون بالإشراف على دعم هذه المشروعات، إلا أن المستجدات التي جرت مؤخراً من شأنها تغيير المعادلة ووضع كل الجهات المعنية أمام مسؤولياتها.
فقد صدر مؤخراً قانون يسمح بإحداث مصارف متخصصة بالتمويل الأصغر..وينطوي القانون على حزمة دعم كبيرة تؤسس لانطلاق حقيقي لهذه المشروعات.
كما كان مجلس الوزراء قد أقرّ منذ أيام، التعديلات المقترحة على التعريف الوطني للمشاريع الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر التي أضحت ضرورة ملحة لجهة تناسب قيم المشاريع بكل تصنيفاتها، سواء بالنسبة لمعيار الموجودات، أو المبيعات السنوية، مع حالة التضخم الحاصلة خلال السنوات الماضية، ولا سيما أن المعايير تم اعتمادها في عام 2017 .
وقد يكون المتغير الجديد هو ما سيضع هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، أمام مسؤوليات جديدة وبعد آخر في عملها، بما أنها تعترف بأن لها لائحة مهام استراتيجية، لكن دون إسقاطات واضحة على الأرض.
إذ يسلّم القائمون على الهيئة، بأنها يجب أن تعمل على جعل المشروعات الصغيرة جزءاً من الاقتصاد الوطني، ولفت الأنظار لها من قبل خريجي الجامعات والمعاهد لجعلها مصدر عمل ورزق لهم، والابتعاد عن الفكر النمطي للبحث عن الوظائف العامة والخاصة، أي صنع مشروعات خاصة بهم، والانطلاق بها لتتحول إلى أعمال كبيرة تحقق الدعم الاقتصادي لهم وللبلد.
وبشكل متكرر ومتواصل ..تؤكد الهيئة أنها تسعى لتصحيح بيئة أعمال هذه المشروعات، وحل الثغرات والمشكلات التي تقف أمامها، و بالتالي الاجتهاد لإقامة تجمعات حرفية وصناعية ومراكز تدريبية للمشروعات، والعمل على زيادة إنتاجية المشروعات القائمة، وتحسين أدائها، وزيادة صادراتها، إلى جانب تنظيم وضبط سوق تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتسهيل نفاذها إلى الخدمات المالية، مع نشر ثقافة ريادة الأعمال، وتشجيع الإبداع والابتكار.
وعلى الرغم من أن الجميع يدرك مقومات ” قوة مثل هذه المشروعات” ولاسيما في الهيئة المتخصصة بالتنمية، إلا أن الحصاد السابق يبدو غير مرضٍ، وتعبر مصادر الهيئة عن إدراكها لهذه المقومات، مبينةً أن المشروعات الصغيرة تمتاز بأنها قابلة للانتشار في مختلف المناطق داخل المدن والأرياف، ما يضمن عدالة أكبر في التنمية المتوازنة على امتداد مساحة البلد، كما و توفر المشروعات كماً كبيراً من فرص العمل، ما يشكّل حلاً لمشكلة البطالة في المناطق التي توجد فيها المشروعات، وتتميز هذه المشروعات بعدم حاجتها لرأس المال الكبير النادر نسبياً بعنصر العمل ذي الوفرة النسبية في مختلف المناطق السورية، أي إن كثافة العمل تساوي ارتفاع قيمة عنصر العمل بالنسبة لرأس المال، حيث تلعب المشروعات في حل مشكلة البطالة، وينظر لها كأهم الحلول لهذه المشكلة.
المشكلة أن هيئة تنمية المشروعات تعي تماماً أهمية المشروعات الصغيرة واستراتيجيتها، إذ تُظهر التقارير الجديدة رؤية الهيئة لتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، بأنه يجب أن يعمل 70% من قوة العمل السورية في المشروعات الصغيرة لتحقيق الاستفادة الحقيقية منها عبر التأكيد على وجود علاقة إيجابية بين هذه المشروعات، وزيادة دخل الفئة المستهدفة.
وتكشف دراسة علمية أنجزتها الهيئة، أهم المشكلات المالية المتعلقة بطبيعة إنشاء المشروعات الصغيرة التي تعتمد معظمها على المدخرات العائلية، والاقتراض العائلي غير الكافي وغير المنتظم، وعلى القروض العائلية، إضافة إلى ضعف الضمانات المالية، واللجوء إلى الوسطاء والمرابين بأسعار باهظة ترفع تكاليف الإنتاج، ما يؤدي إلى إحجام البنوك التقليدية عن التعامل معها، وهناك بعض المشكلات المتعلقة بالملكية الفردية أو العائلية، حيث يرتبط وجود المنشأة بحياة أصحابها واستقرارهم العائلي، وفي حال حدث أي نزاع وخلاف فإن المشروع يهدد بالفشل والإغلاق، وهناك أيضاً مشكلة في خلط الذمم المالية للمنشأة مع الذمة المالية لأصحابها، وعدم القدرة على التنبؤ والتخطيط، وعدم دقة البيانات اللازمة، مع غياب مركزية الإدارة حتى في حالة التوسع بوجود ضعف الموقف العلمي والمهني والإداري لرب العمل، وضعف قدرته على الأخذ بأسباب التقدم والتطور، إلى جانب ندرة البيانات المالية والمحاسبية الدقيقة.
وتعاني المشروعات الصغيرة من قلة الأماكن المخصصة لعرض المنتجات، وعدد قنوات التوزيع، وعدم القدرة على مواكبة تقلبات الطلب الشديد، ما يؤثر في كفاءة ووجود المنشأة، مع الافتقار إلى المواصفات والتصميمات، وعدم القدرة على تنفيذها.
وتقول هيئة تنمية المشروعات إنها تعمل على تفعيل برنامج التدريب الطلابي الذي يعتمد على تأهيل الأشخاص الراغبين مهنياً في مجال ما، الأمر الذي يفتح أمامهم الفرصة لإيجاد عمل حر، ويتم التدريب في مختلف المجالات الإدارية والمحاسبية والمهنية الحرفية في معظم المحافظات، وذلك بالتعاون مع مؤسسات حكومية أو خاصة أو مراكز تأهيل مهني أو جامعات، وما إلى ذلك، فالمتخرجون من هذا البرنامج يصبحون أصحاب مهن، إضافة إلى إقامة برنامج تأهيل رواد الأعمال، وهذا البرنامج يعنى بأشخاص يرغبون بإقامة مشروعات خاصة بهم على أن تكون مميزة ونوعية، حيث يخضع متابعو هذا البرنامج لدورات متخصصة في ريادة الأعمال تتضمن مفهوم الريادة، وسمات رائد العمل، ودراسة الجدوى الاقتصادية، وتحليل السوق، إضافة إلى توضيح مفاهيم التسويق والإدارة والمحاسبة وإدارة فريق العمل. وتبرز هنا أهمية تشكيل فريق المدربين باعتبار أن التدريب من أهم مهام الهيئة بموجب القانون رقم 2، وقد تم تقديم اهتمام خاص لهذا الجانب، والعمل على تشكيل فريق من العاملين في الهيئة لديهم المقدرة الكاملة على تدريب أصحاب المشروعات والعاملين في قطاع المشروعات على القضايا الرئيسة.
المهم أن هذه المشروعات باتت على سكة انطلاق جديدة، لأنها تحظى باهتمام رسمي رفيع المستوى، لما لها من دور اقتصادي ودور اجتماعي مؤثر في دعم وتعزيز مصادر تحسين معيشة شريحة واسعة من المجتمع..وتبدو هيئة تنمية المشروعات اليوم أمام مسؤوليات جديدة لا تقبل الفشل مطلقاً.