في رحيل الفنان عبد الكريم فرج..الدمج بين تقنيات الحفر والرسم والكولاج

الثورة أون لاين – أديب مخزوم:

خسرت الأوساط الفنية والثقافية الفنان التشكيلي عبد الكريم فرج، الذي كان ( وعلى مدى أكثر من نصف قرن) يتفاعل مع رغبات اختصار مفردات الأشكال ( الإنسانية والصامتة والمعمارية وعناصر المشهد الريفي..) والتعبير باللون وبالتشطيبات الخطية عن نبض الاختصار والاختزال والتبسيط للوصول إلى مناخ أكثر غنائية وحرية واقتراباً من معطيات الحداثة الفنية التشكيلية، ويعمل عبر مطبوعات محفوراته لإدخال الكثافة اللونية وصياغة إيقاعات اللغة البصرية لموسيقا اللون بلغة غرافيكية لها خصوصيتها في التعبير عن ملامح صراحة اللون وغناه مرة، ومن ثم إظهار شفافيته وتقشفه مرة أخرى مستلهماً المناخات اللونية المحلية وإشارات الرموز التي وجدها وتفاعل معها في مدينة «وارسو» كما أنه – وعلى حد قوله– كان يبتعد عن استخدام معاجين الألوان الجاهزة ويقترب من مساحيق وخامات الألوان المستخرجة من الأرض (الألوان الترابية).

كولاج نسيجي..
وثمة مراقبة واعية من قبله، وإلا لما كانت لوحته قد حققت خصوصية وأسلوبية داخل الإطار العام لتجربته التشكيلية، علاوة على ذلك يقدم لوحات مغايرة يذهب في تشكيلها إلى اعتماد قصاصات قماشية يستعيد من خلالها الألوان القوية المترسخة في الذاكرة الشعبية المحلية. لوحات الفنان الراحل عبد الكريم فرج تعطي المشاهد صورة استعادية لمراحله الفنية، منذ بدياتها حين كان جهده مركزاً على إخراج لوحات لمطبوعات محفوراته، قبل أن تبدأ في مراحل لاحقة خطوات إضافة طبقات لونية شفافة وكثيفة، والوصول إلى نوع من الدمج بين تقنيات الطباعة الحفرية والرسم والكولاج في اللوحة الواحدة، ومن ثم الانتقال إلى تجربة تشكيل لوحات تجريدية قائمة على إلصاق قطع نسيجية ( من لباس الأعراس في مدينته السويداء ) وهكذا تصبح لوحته التجريدية النسيجية، جزءاً من الواقع الشرقي بفلكلوره وتراثه العريق، وعلى هذا فهو يعتمد على التشكيلات، التي تمتد إلى أصول تراثية، ويعتمد على مساحات لونية نسيجية متجاورة ومتداخلة تعطيه بصمة وأسلوبية خاصة.

طبقات اللون..
مع الإشارة إلى أن هذه العناصر والأشكال غالباً ما تتماهى وتختفي وراء اللطخات اللونية التي تتركها تقنية وضع اللون على سطح لوحته المطبوعة، وهنا كان يعمل على تركيب الطبقات اللونية، وهذه الطريقة تقرب مطبوعات محفوراته في أحيان كثيرة من طريقة معالجة المادة اللونية بالطرق المألوفة (مثل الرسم بالسكين الحادة أو بالريشة أو بالوسائل التصويرية المختلفة) فهو من الناحية التقنية يعتمد في معظم لوحاته على طريقة إضافة سماكات لونية تبدو للوهلة الأولى وكأنها موضوعة بطريقة التلوين اليدوي، وحين سألته عن هذا الالتباس الحاصل في تجربته بين الأجواء الطباعية الحفرية والأجواء التصويرية، أشار إلى أن هناك لوحات خارجة عن إطار التقنية الفنية الطباعية التقليدية التي يقدمها في لوحات أخرى، والطريقة الأحدث تجعله يضع اللون دون معالجة مسبقة، ومن منطلق الإحساس والتلقائية بالمادة اللونية الكثيفة.
وهذا يعني أن الفنان الراحل كان يبحث وبشكل دائم ويومي في خطوات الوصول إلى الطراوة اللونية التلقائية، التي تفسر حساسيته أكثر مما تتجه إلى تقديم الشكل بواقعيتة، وكان يحاور اللوحة أحياناً لإيجاد هندسة لونية فيها تقاطعات خطية أفقية وعمودية وبالتالي فيها مربعات ومستطيلات متجاورة ومتداخلة تبرز فيها الألوان الصريحة، وتبدو المساحات خالية من حركات التظليل أو التدرج اللوني إلا في حالات استثنائية.
وفي الحالة الأخيرة كان يتجاوز الكثافة اللونية التي تقرب اللوحة المطبوعة من أجواء اللوحة المرسومة، ويدخل في أجواء اللون الأحادي وفي أسلوب التعتيق الزمني، وهنا تبرز تقنية الحفر أكثر من السابق، وتظهر التشطيبات الخطية المحفورة، ثم المطبوعة بوضوح لتنقل حركات ارتجالية مباشرة بعيداً عن أي هندسة أو حس تزييني أو زخرفي.

4.jpg

بصمات الأزمنة..
والمواد اللونية التي أحضرها معه من الخارج –على حد قوله أيضاً- تمنح سطح اللوحة أحياناً تضاريس وملامس تفتح آفاقاً جديدة للتصوير الطباعي، ذلك لأنه يصل في بعض اللوحات إلى سطوح تشبه الجدران القديمة، وفنون المغاور لحضارات ما قبل التاريخ، إنها بمثابة بصمات «أركيولوجية» مفتوحة على ذاكرة الحضارات البائدة وأطلالها المنسحبة من تفسخات معطيات الأزمنة المنسية والغابرة.
وهذا يعني أن الروابط التاريخية والحضارية القديمة والحديثة تبرز جميعها أو بعض إشاراتها في لوحاته، فتنبثق من مفرداتها الأزمنة التي تدل على وجود إنساني وحضاري، كما لو أن الإشارات المتتابعة التي تنتمي إلى أحقاب متتالية، إنما تشير إلى انتقال الحضارة من طور البداوة إلى الطور المدني، لكنها ليست سوى رموز تشكيلية مقروءة في تداعيات الخطوط والمساحات التي تختصر حضورها وتجردها، بحيث تتحول الإشارات إلى مجرد أطياف تعبر عن تجريد عاطفي، وكانت تطلق ما في داخله من انفعالات وتعبيرات تلقائية وذاتية ووجدانية.

فاللوحة التي قدمها عبد الكريم فرج، في رحلته الطويلة، لم تكن ولن تكون بعيدة عن الحوار الذاتي وهذا ما نلاحظه في تفاوت تعابير اللون، وتفاوت التعبير الانفعالي من لوحة إلى أخرى.
يذكر أن عبد الكريم فرج من مواليد السويداء عام 1943 درس الفن في كلية الفنون، وكثف تخصصه بفن الغرافيك والطباعة في أكاديمية الفنون الجميلة في وارسو – بولونيا ، وحاز على درجة دكتوراه في تاريخ الفن من جامعتها، ولقد أقام أكثر من عشرة معارض فردية في الداخل والخارج، ومثّل سورية في اللقاء الدولي لفن الغرافيك في ألمانيا –درسدن عام 1989، كما شارك في بيناليات وتريناليات وملتقيات ومهرجانات دولية أقيمت في مصر وفرنسا ويوغسلافيا والسويد وإسبانيا وإيطاليا، وحاز على جوائز وشهادات شرف تقديرية من ضمنها الجائزة الأولى (الشراع الذهبي) في الكويت عام 1989، والميدالية الذهبية في بينالي الفن الآسيوي عام 1997، والجائزة الثانية في بينالي المحبة عام 1999، وميدالية بينالي الشارقة الدولي عام 2001، والجائزة الأولى في مهرجان المزرعة الثقافي بالسويداء عام 2001 وغيرها، ولقد شغل منصب عميد كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق وكتب في مجال الفن التشكيلي في دوريات متخصصة، وله كتاب عن تقنيات فن الحفر والطباعة اليدوية، وهو أستاذ لأجيال من الفنانين في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق منذ العام 1993.

آخر الأخبار
إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم السوداني يعلن النتائج الأولية للتعداد العام للسكان في العراق المتحدث باسم الجنائية الدولية: ضرورة تعاون الدول الأعضاء بشأن اعتقال نتنياهو وغالانت 16 قتيلاً جراء الفيضانات والانهيارات الأرضية في سومطرة الأندونيسية الدفاعات الجوية الروسية تسقط 23 مسيرة أوكرانية خسائر كبيرة لكييف في خاركوف الأرصاد الجوية الصينية تصدر إنذاراً لمواجهة العواصف الثلجية النيجر تطلب رسمياً من الاتحاد الأوروبي تغيير سفيره لديها جرائم الكيان الإسرائيلي والعدالة الدولية مصادرة ١٠٠٠ دراجة نارية.. والجمارك تنفي تسليم قطع ناقصة للمصالح عليها إعادة هيكلة وصيغ تمويلية جديدة.. لجنة لمتابعة الحلول لتمويل المشروعات متناهية الصِغَر والصغيرة العقاد لـ"الثورة": تحسن في عبور المنتجات السورية عبر معبر نصيب إلى دول الخليج وزير السياحة من اللاذقية: معالجة المشاريع المتعثرة والتوسع بالسياحة الشعبية وزارة الثقافة تطلق احتفالية " الثقافة رسالة حياة" "لأجل دمشق نتحاور".. المشاركون: الاستمرار بمصور "ايكو شار" يفقد دمشق حيويتها واستدامتها 10 أيام لتأهيل قوس باب شرقي في دمشق القديمة قبل الأعياد غياب البيانات يهدد مستقبل المشاريع الصغيرة في سورية للمرة الأولى.. الدين الحكومي الأمريكي يصل إلى مستوى قياسي جديد إعلام العدو: نتنياهو مسؤول عن إحباط اتفاقات تبادل الأسرى