أمراض “النيوليبرالية” في المجتمعات الغربية.. إحصائيات صادمة

الثورة أون لاين- د. ذوالفقار عبود: 

من بين سكان الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة، الدولتان اللتان تمثلان أرقى ما وصلته الحضارة الغربية، هناك (27) مليون مدمن على المخدرات، و(89) مدمناً على الكحول، يموت منهم (21) مليون شخص كل عام نتيجة أمراض مرتبطة بالمخدرات والكحول.
هناك (24) مليون امرأة تمارس البغاء بشكل مرخص له وفق القانون الغربي، (8) جرائم قتل كل (19) دقيقة، (2) جرائم اغتصاب كل (7) دقائق، (3) حالات سطو مسلح كل (59) ثانية، وهناك (257) ألف طفل يتم إجهاضهم، أي يقتلون في الأرحام، كل عام، بشكل قانوني أو غير قانوني.
هناك (21) مليون طفل يولدون كل عام خارج إطار الزواج، لا يعرفون آباءهم، و(2.8) حالة انتحار كل عام لأشخاص لا يجدون سبباً لمواصلة الحياة.
هناك (32) ولاية أميركية من أصل خمسين ولاية تعترف قانونياً بزواج المثليين جنسياً، ووفق وزير العدل إريك هولدر فإن المثليين يحصلون على الحقوق القانونية كاملة التي يتمتع بها الأزواج المغايرين جنسياً، حيث تضاعفت أعداد المثليين لتصل إلى(33%) من أفراد المجتمع بعد تبني النموذج النيوليبرالي، وفي بريطانيا دخل قانون زواج مثليي الجنس حيز التنفيذ وتم إدراج المثلية في المناهج التعليمية.
هناك (275) ألف سجين محتجزين في المجمعات الصناعية الملحقة بالسجون، حيث يتم بناء السجون ليس لإصلاح وإيواء المجرمين، بل كأماكن للعمل المجاني وكتجمعات للعمل تتنافس للحصول على العقود للبناء والإشراف على هذه التجمعات لأنهم وجدوا أن السجين يمكن تحويله إلى عامل بالمجان، ولهذا السبب يتم استبدال عقوبات الإعدام بعقوبات السجن المؤبد أو لعشرين أو لثلاثين عاماً لإجبار السجناء على العمل، ولذلك يتم بناء السجون، ولهذا السبب يحكمون بالسجن مدى الحياة.
كل هذه الإحصائيات الصادمة، هي أدلة على أن مثل هذه المجتمعات والدول، ليست جديرة لتكون قدوة في إحلال السلام في العالم، فكيف لهم مع كل هذه المشكلات الخطيرة داخل مؤسساتهم، داخل حدودهم، داخل مجتمعاتهم، داخل حكوماتهم، أن يجلبوا السلام للعالم؟.
اليوم يبدو الفرق واضحاً بين دولة الرعاية الاجتماعية، ودولة الطغمة الرأسمالية المتوحشة، من خلال جهود الدول والعالم لمواجهة جائحة كورونا.
الدول الوطنية التي تتمسك بدورها الاجتماعي والإنساني، وتحديدا في مجالات الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية، في مواجهة الدول الغربية المتوحشة التي خصخصت هذه الأدوار لمصلحة سيطرة الشركات الرأسمالية، التي قامت بتحويل هذه الخدمات إلى تجارة ومصدر لتحقيق الأرباح على حساب حياة الأفراد، ويتضح الفرق بين النموذجين من الدول من خلال التطبيق، ففي الدول الغربية تزداد حدة الفوارق الاجتماعية بين طبقات المجتمع، وتزداد نسب الفقر والبطالة وتراجع الخدمات الاجتماعية في الدول التي خصخصت هذه الخدمات، بنسب تفوق عشرات الأضعاف عن الدول التي حافظت على دور الدولة الاجتماعي.
وقد كشفت جائحة فايروس كورونا من خلال سرعة انتشار الوباء، ومن خلال أعداد المصابين والقتلى، أن هناك فوارق غير مسبوقة بين النموذجين من الدول، التي اتبعت النموذج النيولبرالي، والتي تتبع النموذج الوطني، وذلك من خلال ثلاثة مستويات:
المستوى الأول، تبين في مستوى الاهتمام والسرعة في التصدي للوباء، ففي الدول الوطنية الاجتماعية، تم اتخاذ الإجراءات الوقائية لحماية أرواح الأفراد، وتم توظيف كل مقدرات الدولة لمنع انتشار الوباء، ولذلك لمسنا قلة عدد المصابين والمتوفين نتيجة الفايروس منخفضة جداً مقارنة بدول النموذج الثاني.
في المقابل شهدنا تردداً وتأخراً واستهتاراً في اتخاذ الإجراءات الوقائية في الدول النيوليبرالية، ما أدى لانتشار الوباء في هذه الدول التي لا تهتم بالإنسان، بل بما يستطيع أن يحققه الإنسان من أرباح، ولذلك أشارت إحصائيات منظمة الصحة العالمية إلى أن نسبة الإصابات بالوباء وأعداد المتوفين تبلغ (85%) في الدول النيوليبرالية من مجمل الإصابات والوفيات المسجلة في العالم، وعند نشر هذه الإحصائية قامت الإدارة الأميركية في عهد الرئيس دونالد ترامب بالانسحاب من المنظمة وإلغاء تمويلها.
المستوى الثاني، مستوى توفير الرعاية الصحية وتأمين المستلزمات الطبية للمصابين، حيث لم تعلن الدول الوطنية عن أي نقص في المستلزمات، إلى جانب فتح المستشفيات مجاناً للمصابين، مع استنفار الكادر الطبي لخدمة المصابين مجاناً، وهذا ما ساعد في الحد من انتشار الوباء، بينما سارعت الدول النيوليبرالية إلى قرصنة وسرقة المستلزمات الطبية التي قدمتها الدول الوطنية لغيرها من الدول لأسباب إنسانية، وهذا دليل إضافي على أن الدول النيوليبرالية لا تقيم أي وزن للقيم الدينية والإنسانية.
لقد كشف وباء كورونا عن فشل النظام الصحي البريطاني والأميركي وفي سائر الدول النيوليبرالية، نتيجة تخلي هذه الدول عن دورها الاجتماعي لمصلحة القطاع الخاص الانتهازي الذي لا يهمه سوى الربح ومراكمة الثروات على حساب حياة الأفراد.
المستوى الثالث، تبين أن دول الرعاية الاجتماعية أعطت الأولوية لإنقاذ حياة الأفراد على حساب الاقتصاد انطلاقاً من أن الإنسان هو أغلى رأسمال، فهو الغاية وهو المنتج وهو أساس المجتمع والدولة، وهو أساس استعادة العافية للاقتصاد.
ولذلك سارعت الدول الوطنية لإنقاذ حياة مواطنها وتقديم العون له في مواجهة الوباء، بينما أعطت الدول النيوليبرالية الأولوية للاقتصاد والأرباح والأعمال والأموال وكشفت عن افتقادها للروح الإنسانية والوطنية، وهذا ما لمسناه عندما قلل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من خطورة الوباء ثم سعى لاستغلاله تجارياً عبر محاولة احتكار إنتاج لقاح مضاد للوباء، إضافة إلى قراره بتأمين المساعدات المالية بقيمة (2000) مليار دولار لمساعدة الشركات الرأسمالية وإنعاش الاقتصاد والدعوة لاستئناف النشاط الاقتصادي بدلاً من إنقاذ الأفراد، حتى وصل الأمر إلى تخلي الدول النيوليبرالية عن مساعدة بعضها البعض، في حين قامت دول الرعاية الاجتماعية بمساعدة كل الدول الأخرى التي تعاني نقصاً في المستلزمات الطبية حتى لو كانت هذه الدول تتبنى النموذج النيوليبرالي.
وتبقى الانعكاسات الاجتماعية هي الأخطر على الإطلاق بعد عقود من السياسات الهيكلية التي تشترطها المؤسسات المالية العالمية، كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، فاستفحلت معدلات الفقر والبطالة في قطاعات واسعة من المجتمع الغربي، وترسخت الفوارق الاجتماعية بين أقليات ثرية محلية مرتبطة بمصالح خارجية وباقي الطبقات الفقيرة التي تشكل غالبية المجتمع.
وهزت هذه السياسات الاقتصادية البناء الاجتماعي بعنف، حيث تحولت قطاعات مهمة من الطبقات الوسطى إلى فئات محدودة الدخل؛ بسبب تدهور قدرتها الشرائية وارتفاع الأسعار وتوقف الدولة عن تمكينها من الاستفادة من الخدمات الاجتماعية؛ كنتيجة لتخلي الدولة عن دعم المواد الغذائية، أو توفير التعليم والطبابة المجانية؛ بذريعة أن الموازنة العامة تعاني من عجز حاد، وهو ما شكل حرماناً لها من الثروات الوطنية التي تصلهم بشكل غير مباشر عبر الإعانات الحكومية في شكل سلع وخدمات اجتماعية مدعومة.
لقد ساهمت النيوليبرالية في تكريس التبعية السياسية بين دول المركز المتقدمة، وباقي العالم الذي تحول إلى أطراف هامشية في الاقتصاد العالمي، في مشهد يعيد إلى الأذهان عصر الاستعمار، ولكن بصيغة مختلفة، حيث حلت الشركات العملاقة متعددة الجنسيات محل الدول الاستعمارية في نهب خيرات وثروات شعوب العالم وحرمانها من رساميلها بنقلها الخارج بشكل مقنن عبر الاتفاقات والمعاهدات التجارية المبرمة.
إن النيوليبرالية هي مشروع غربي للهيمنة على حياتنا، فبعد أكثر من عشرة أعوام على اندلاع مخطط الفوضى في الدول العربية، يبدو اليوم أن عدداً من الحكومات العربية مُقبلة بقوة على تبني سياسات النموذج الاقتصادي النيوليبرالي ذات العواقب الاجتماعية الوخيمة، من تحرير للأسواق وإعادة لهيكلة الاقتصاد الكلي.
وتظهر تباشير ذلك التحول الذي تسير فيه الحكومات العربية في اتفاقيات التطبيع السياسي مع الكيان الصهيوني كمقدمة للانخراط في منظومة النيوليبرالية الغربية.
إن سياسات السوق الجديدة التي تدعمها المؤسسات الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية استطاعت أن تتمكن من الهيمنة عالمياً عن طريق مبدأ الصدمة، حيث استطاعت رأسمالية الكوارث تلك أن تصعد من خلال استثمار الكوارث الاجتماعية والسياسية والطبيعية، واستغلال الشعوب التي صدمتها تلك الكوارث.
إن عمليات إعادة الهيكلة الاقتصادية التي يفرضها الدائنون الدوليون على بلدان العالم الثالث منذ ثمانينيات القرن الماضي، والمستندة على خطاب نيوليبرالي أدت بنهاية المطاف إلى تفكيك مؤسسات تلك الدول وتمزيق حدودها الاقتصادية وإفقار الملايين من الناس.
لقد خلقت السياسات الغربية – في توجيه الاقتصاد العالمي- الكثير من المشكلات الاجتماعية والسياسية في المجتمعات النامية التي فُرضت عليها هذه السياسات، مثل الاضطرابات الاجتماعية واتساع ظاهرة البطالة وتقويض الحريات وحقوق الإنسان بشكل عام، بما فيها حقوق المرأة، وتدمير بنى الاقتصاد المحلية وتدمير قطاع الزراعة بما في ذلك الثروة الحيوانية في البلدان الفقيرة.

 

 

آخر الأخبار
قلعة حلب .. ليلة موعودة تعيد الروح إلى مدينة التاريخ "سيريا بيلد”.  خطوة عملية من خطوات البناء والإعمار قلعة حلب تستعيد ألقها باحتفالية اليوم العالمي للسياحة 240 خريجة من معهد إعداد المدرسين  في حماة افتتاح معرض "بناء سوريا الدولي - سيريا بيلد” سوريا تعود بثقة إلى خارطة السياحة العالمية قاعة محاضرات لمستشفى الزهراء الوطني بحمص 208 ملايين دولار لإدلب، هل تكفي؟.. مدير علاقات الحملة يوضّح تطبيق سوري إلكتروني بمعايير عالمية لوزارة الخارجية السورية  "التربية والتعليم" تطلق النسخة المعدلة من المناهج الدراسية للعام 2025 – 2026 مشاركون في حملة "الوفاء لإدلب": التزام بالمسؤولية المجتمعية وأولوية لإعادة الإعمار معالم  أرواد الأثرية.. حلّة جديدة في يوم السياحة العالمي آلاف خطوط الهاتف في اللاذقية خارج الخدمة متابعة  أعمال تصنيع 5 آلاف مقعد مدرسي في درعا سوريا تشارك في يوم السياحة العالمي في ماليزيا مواطنون من درعا:  عضوية مجلس الشعب تكليف وليست تشريفاً  الخوف.. الحاجز الأكبر أمام الترشح لانتخابات مجلس الشعب  الاحتلال يواصل حرب الإبادة في غزة .. و"أطباء بلا حدود" تُعلِّق عملها في القطاع جمعية "التلاقي".. نموذج لتعزيز الحوار والانتماء الوطني   من طرطوس إلى إدلب.. رحلة وفاء سطّرتها جميلة خضر