الثورة أون لاين- ترجمة ليندا سكوتي:
العدوان الأميركي الأخير على سورية يشعل السجال داخل الكونغرس الأميركي، وبعض السيناتورات يشنون هجوماً على فريق بايدن، متهمين إياه بالانقلاب على تعهداته وتصريحاته باعتماد سياسة خارجية مختلفة عن سياسات ترامب.. صحيفة “واشنطن بوست” تنقل في مقالها التالي نقاشات الكونغرس حول توجهات البيت الأبيض العسكرية، وتقول إن أوامر بايدن الجديدة سترتد سلباً على إدارته..
يدّعي الرئيس جو بايدن أن الهدف من “الضربات الجوية” على سورية في 25 شباط هو محاربة الإرهاب، ولكن الواقع يؤكد أن تلك الضربات حملت رسالة أثارت قلق الشعب الأميركي فيما يجرى في منطقة الشرق الأوسط من أحداث أماطت اللثام عما قام به بايدن من تقويض لالتزامه المعلن أمام الطبقة الوسطى بشأن “سياسته الخارجية” وعزمه “إنهاء الحروب الأبدية” والتركيز على مواجهة التهديدات “الوجودية” على غرار التغير المناخي وإعادة بناء القوة الأميركية في الداخل.
وعلى الفور أثارت الضربات لغطاً في أوساط الكونغرس أدى إلى إشعال السجالات حول صلاحيات الرئيس في خوض الحروب، إذ دعا السيناتور كريس مورفي المشرعين لإلزام هذه الإدارة بالمعايير ذاتها التي كانت تتبعها الإدارات السابقة، مؤكداً على ضرورة الحصول على تفويض من الكونغرس لأن “الضربات الانتقامية لا تحول دون إحداث تهديد وشيك”، وأيد رؤيته السيناتور تيم كاين الذي قال إن “عملاً عسكرياً هجومياً دون موافقة الكونغرس لا يعد دستورياً في ظل غياب الظروف الاستثنائية”، بالإضافة إلى ذلك وعد التقدميون في مجلس النواب بقيادة السيناتور “رو خان” بإحياء الجهود الرامية للحد من خوض الحروب.
وأكد السيناتور بيرني ساندرز على أهمية تلك الحقيقة معبراً عما يكتنفه من “قلق بالغ” خشية أن تفضي تلك الهجمات إلى “وضع البلاد على مسار مواصلة الحرب الأبدية عوضاً عن إنهائها.. وهو المسار ذاته الذي دأبنا عليه نحو عقدين من الزمن”.
وفي الحين الذي يدافع به المتحدثون باسم الإدارة عن تلك الضربات لكونها (على حد زعمهم) رداً دفاعياً مناسباً، ويتشدق مساعدو بايدن بأنها إشارة واضحة إلى دفاع الولايات المتحدة عن قواتها في سورية والعراق، نجدهم يبذلون المساعي لإحياء الاتفاق النووي الإيراني، وفي مختلف الأحوال، لم تحقق تلك الصواريخ الغرض المنشود، فإيران رفضت شروط الاتحاد الأوروبي لإحياء الاتفاق.
إن ذريعة القيام بالضربات لدواع “دفاعية” يتناقض مع واقع وجودنا في تلك المنطقة، ولاسيما أن الولايات المتحدة إبان حقبة أوباما قد غزت سورية دون إذن أو دعوة من أي جهة، متذرعة بحجج واهية، تماما كما فعلت عندما دخلت إلى أفغانستان بدعوى تغيير حكومتها، وعندما خاضت أيضا حرباً على العراق بمبررات ومسوغات مفبركة، ولن تنطلي على أحد مقولة قيام دولة معتدية بضربات انتقامية كرد “دفاعي” عن نفسها.
في الحقيقة، من المرجح ألا تنعكس تداعيات تلك الضربات على سورية وحليفتها إيران، بل من المحتمل أن تنعكس على إدارة بايدن ذاتها، لما تنطوي عليه من عرقلة عملية الانسحاب من سورية، ونكوث الإدارة عما سبق وأن تعهدت به، مع العلم أن كلا من أوباما وترامب وعدا خلال حملتهما بإنهاء حروب منطقة الشرق الأوسط، بيد أنهما أخفقا في الوفاء بتلك الوعود، ونتساءل ما إذا كان بايدن سيفشل أيضا على غرار من سبقه.
ونطرح السؤال ذاته فيما يتعلق بأفغانستان، حيث تخوض الولايات المتحدة حربًا منذ نحو عقدين من الزمن، وقد قلص ترامب عدد القوات إلى 2500 جندي، وأبرم اتفاقية مع طالبان بالانسحاب شهر أيار، ولكن ثمة جملة من الضغوط تمارس على الرئيس الجديد بهدف البقاء في هذا البلد، حيث يحذر البنتاغون من مغبة الانسحاب ما يفضي إلى انهيار الحكومة التي تدعمها الولايات المتحدة، وانزلاق البلاد إلى حرب أهلية، وفي هذا السياق، دعا تقرير صادر عن “مجموعة دراسة أفغانستان” التي شكلها الكونغرس لإرجاء أي عملية انسحاب، وجعلها مرتبطة بسلوك طالبان، وفي حال موافقة بايدن على هذا التوجه، فإن الحرب ستستمر إلى ما لا نهاية أو على الأقل حتى تسلم رئيس جديد يبدي استعداده للقبول بالوقائع على الأرض والإقدام على الانسحاب.
في الواقع، يختلف التدخل في شؤون الدول عن الدخول في مشروع صغير، فقد ذكر مشروع “تكاليف الحرب التابع لجامعة براون” أن الولايات المتحدة على مدى السنوات الثلاث الفائتة فقط أطلقت طائرات مسيرة أو ضربات جوية على سبع دول، وخاضت حروباً في ثماني دول، بالإضافة إلى إجراء مناورات عسكرية في 41 دولة والمساهمة في أعمال مكافحة الإرهاب داخل 85 دولة، علما أن الحروب التي دخلتها واشنطن على مدى العقدين الماضيين خلفت مئات الآلاف من القتلى، وكبدتها خسائر لا تقل عن 6,4 تريليون دولار.
يخال فريق بايدن أن لديه قدرة على مواجهة التهديد الوجودي الذي يشكله التغير المناخي، وتعزيز الجهود الدولية للتصدي للأوبئة، وإعادة بناء أميركا في الدخل، وتحدي الصين وروسيا، وضرب معاقل الإرهابيين المزعومين في عشرات الدول، فضلا عن الوفاء بالتزاماته حيال الشرق الأوسط والاستمرار في أخذ دور شرطي العالم، ولكن علمتنا كوارث السنوات الفائتة بأن أميركا لا يمكن أن تفعل تلك الإجراءات كافة، إذ لا يمكن التنبؤ بما يسفر عنه غبار الحروب، وخاصة أن المواجهات بين القوى العظمى مكلف وخطير، والهجمات المحدودة تخلف كثيراً من المستنقعات، ومن المؤسف أن تحتل عملية إعادة بناء أميركا المرتبة الثانية في سلم أولويات الإدارات الأميركية المتلاحقة، الأمر الذي يستدعي من بايدن الاختيار بين هذين الأمرين.
باتت خيبة الأمل من إنهاء الحروب واضحة منذ إعلان جورج دبليو بوش أن “المهمة أنجزت” في العراق، غير أن المجمع الصناعي العسكري الذي حذرنا منه الرئيس دوايت آيزنهاور منذ عقود لايزال يحظى بنفوذ سياسي هائل، والجدير بالذكر، أن أي سياسي سيكتنفه مشاعر التحسب والمخاوف خشية الظهور بمظهر الضعيف، ولسوء الحظ، لا يضم فريق بايدن للسياسة الخارجية شخصاً واحداً يبدي معارضة واضحة للتدخلات الأميركية الكارثية في سائر دول العالم.
ربما احتلت الضربة على سورية الصفحات الأولى ليوم واحد، بيد أن تداعياتها وتبعاتها الكبرى ستطال حقبة رئاسة بايدن برمتها، وقد تمتد لما بعدها أيضا.