من الفاسدون..؟ طبيعي أن يكون إحصاؤهم بلا جدوى ليس لكثرتهم، وإنما لأن أصل الحكاية ليس في عددهم وإنما في أسباب وجودهم واستمرارهم لاسيما أن مؤشرات فسادهم واضحة وعلنية فيكفي أن تسأل: من أين لكم هذا حتى تتعرف على ما جنته أيديهم، لكن محاربة الفساد تتجاوز الأفكار النظرية وتتطلب التسديد في العمق وليس على السطح وتتطلب المواجهة وليس التبرير، وأيضاً المحاسبة وليس الترحيل، وفي هذا السياق ثمة سؤال يطرح نفسه دائماً:
كلنا نتحدث عن الفساد لكن هل الكل يحارب الفساد وهل الكل يسعى للكشف عن مواقع الخلل والاختلاس والتزوير؟.
خلال الشهر الماضي نشرنا في (الثورة) وتحدثنا أيضاً في اجتماعات رسمية حول بعض أشكال الفساد والإهمال والتقصير في عدد من الدوائر والمؤسسات فكان رجع الصدى من الذين أربكهم ما نشرناه وقلناه هو محاولاتهم اليائسة بالتهديد والوعيد ليس انتقاماً أو دفاعاً عن النفس وإنما كي لا نستمر في فضح فسادهم والتوقف عند هذا الحد كما قالوا. لكن ليتهم كانوا يعلمون أن فزاعتهم جعلتنا أكثر قوة لتسمية الأشياء بمسمياتها ومحاربة الفساد بكل أشكاله.
الأمر الآخر هو لعله من المفيد أن تنشر الصحافة بعض الوقائع التي تؤكد وجود فساد هنا أو هناك لتتحول بعد ضبطها والتأكد منها إلى ظاهرة رأي عام متداولة كي يعرف الناس إن حملة محاربة الفساد مستمرة. لكن حقيقة الأمر أن ما يحدث ليس نتيجة طبيعية لإجراءات معينة تتم ومن خلالها يتم الوصول إلى ضبط فساد ما، وإنما ما يحصل هو ضبط حالات الفساد بالصدفة. وليس نتيجة لآليات عمل محددة.
أكثر من ذلك فإن أي تطوير أو تصويب في الحياة الإدارية والخدمية والاقتصادية لن يحصل من دون تشخيص حقيقي وإذا لم يحصل ذلك يكون شأننا شأن المريض الذي يرفض الذهاب إلى الطبيب لإجراء الفحوصات وتحديد سبب المرض والأخطر أن يتم إخفاء حقيقة المرض بدل تشخيصه والسعي لمعالجته والوقاية منه.
من هنا تأتي أهمية المواجهة والتسديد على أساس الفساد ومسبباته وهذا ما أكده السيد الرئيس بشار الأسد في حديثه لقناتي السورية والإخبارية بأن (كل النقاش الذي يدور وخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي يتحدث عن كل شي ما عدا أساس الفساد وبأن البنية القانونية للفساد هي المشكلة).
ولذلك لا خوف ولا قلق عندما نشير في الصحافة أو نتحدث في اجتماعات ومؤتمرات رسمية عن بعض وقائع الفساد ونطالب أصحاب الشأن بالتأكد منها، ولا خوف أو قلق من الفاسدين أو المفُسدين الذين يبعثون بفزاعات وهمية لا قيمة لها عند من يتسلح بالسلاح الأقوى وهو القانون وليس الاستقواء بمال فاسد أو نفوذ مُفسد أو منتفع يحمي الفساد.. فهؤلاء كلهم فاسدون.
الكنز – يونس خلف