لم يكن يوم الثامن من آذار عام 1963 يوماً عادياً في حياة السوريين، ففي صبيحة ذلك اليوم الأغر تم الإعلان عن قيام ثورة بيضاء أصيلة لتحقيق طموحات أبناء شعبنا في نهضة حقيقية للبلاد وحياة حرة كريمة أساسها العدالة والإنصاف والمشاركة وتكافؤ الفرص، حيث هبّت نخبة واعية من مناضلي حزب البعث العربي الاشتراكي وقيادات استثنائية فذة في الجيش والقوات المسلحة لصياغة مستقبل جديد لسورية، مغاير لتلك الحقبة المريرة التي ألمت بالبلاد إثر جريمة الانفصال بين الشقيقتين سورية ومصر، ودخول البلاد في أزمة وطنية تركت أثارها السلبية على جميع مناحي الحياة.
ولو أردنا الحديث عن إنجازات ثورة آذار المجيدة في أي مجال من مجالات الحياة لاحتجنا إلى مجلدات عديدة بالنظر لاتساع رقعة وتنوع الانجازات، وقد لمس أبناء شعبنا بمختلف شرائحهم هذه المنجزات التي لا تزال ماثلة حتى اليوم في كل الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتي بفضلها غدت سورية دولة فاعلة على الساحتين العربية والدولية، بعد أن حجزت لنفسها مكاناً يليق بها وبتاريخها العريق في كل القضايا المطروحة، كما لعبت دوراً محورياً في الصراع مع العدو الصهيوني باعتبارها إحدى دول المواجهة وأكبر الداعمين لنضال الشعب الفلسطيني لنيل حقوقه المشروعة، وفي سبيل ذلك نسجت سورية الثورة أمتن علاقات الصداقة مع العديد من الدول المهمة كالاتحاد السوفييتي آنذاك، ما انعكس دعماً لقضية فلسطين والحقوق العربية بشكل عام.
أما على الصعيد الداخلي فقد تحولت سورية إلى ورشة عمل في كل المجالات بعد صدور العديد من القوانين والتشريعات الإصلاحية، لتشهد البلاد نهضة اقتصادية (زراعية صناعية) قوامها وأساسها العمال والفلاحين والطبقات الكادحة، وهو ما أحدث توزيعاً منصفاً للثروات والخيرات والفرص والخدمات، وتساوياً في الحقوق والواجبات وساهم بتحقيق المزيد من العدالة الاجتماعية لكل أبناء الشعب.
وعند الحديث عن ثورة آذار لا بد للمرء أن يجري مقارنة ــ ولو بشكل غير مباشر ــ بينها وبين ما أطلق عليه زوراً وتضليلاً اسم (ثورة) في سورية – وشتان بينهما – حيث يقف المرء عاجزاً عن الإتيان بمنجز واحد لهذه الكارثة الإنسانية التي حلت على السوريين سوى سفك الدماء البريئة واستدعاء التدخلات الأجنبية وتخريب ما تم إنجازه على مدى ستة عقود من عمر ثورة آذار والحركة التصحيحية المباركة التي قادها القائد المؤسس الراحل حافظ الأسد.
واليوم ونحن نستعيد ذكرى هذه الثورة الأصيلة يحدونا الأمل بقرب الخلاص من هذه الحرب الظالمة، وتحقيق الانتصار الكامل واستعادة الأمن والأمان في كل ربوع سورية، وطرد الإرهابيين والمحتلين من أرضها المقدسة، وإعادة اعمار ما دمرته الحرب وعودة والمهجرين، لتعود سورية كما كانت تحت قيادة السيد الرئيس بشار الأسد الأمين على قيم الثورة وآمال جماهيرها العريضة.
البقعة الساخنة – عبد الحليم سعود