الناتو أو الدول الغربية التي يتشكل منها الحلف تحاول أن تظهر للعالم بأنها مصدومة من تطوّرات الأزمة الأوكرانية وتصدر صورة إنسانية لا تليق بها، سواء عبر الحديث عن الدبلوماسية لحل الأزمة أو عبر الاستنفار غير المسبوق للتعاطي مع أزمة اللاجئين، غير أن هذين الأمرين لم يكونا متوفرين في حروب كثيرة شنها الناتو مجتمعاً أو الولايات المتحدة الأميركية بمفردها في العقدين الماضيين، ولو أخذنا الحروب التي شُنت على سورية والعراق واليمن وليبيا مثالاً على التعاطي الغربي مع تداعياتها لرأينا اختلافاً كبيراً يظهر الوجه العنصري للغرب أكثر مما يكرّس ازدواجية المعايير في التعامل كقضية واحدة.
كما أن التعاطي الغربي البليد مع الهواجس والمخاوف الأمنية لروسيا من توسع الناتو، وردة الفعل المبالغ فيها جداً تجاه العملية العسكرية في أوكرانيا، والتي تمثّلت بمروحة واسعة من العقوبات غير المسبوقة في التاريخ البشري، يظهران جانباً آخر من الصورة القبيحة التي تُخفيها الحكومات الغربية عن شعوبها، فالغرب الذي امتهن العدوان والاحتلال وقهر الشعوب وإذلالها وصدّر الاستعمار والنازية والفاشية والامبريالية والصهيونية والإرهاب، لا يقبل منافساً له ولا يتحمل رؤية دولة قوية مثل روسيا تدافع عن شخصيتها الاعتبارية كدولة عظمى وترد على العدوان بما يليق به، وتظهر تفوقاً عسكرياً وسياسياً يجبر الناتو على إعادة حساباته، والعد إلى ما بعد الألف قبل اتخاذ أي قرار متهور أو السير خطوة واحدة نحو المجهول..!
لا يمكن تفسير هذا الاصطفاف الغربي الحاد خلف واشنطن ذات التاريخ الحافل بانتهاك الشرعية الدولية واحتقار سيادة الدول والشعوب بما فيهم الأوروبيون أنفسهم، سوى أن الغرب رأى صورته البشعة في مرآة الحقيقة للمرة الأولى عبر ما يجري اليوم في أوكرانيا، فهو الذي يعتدي ويحتل ويقتل ويدمّر ويهجّر طوال الوقت، وهذا أمر حصري به، وغير مسموح لأي دولة أن تعترض أو تنتفض، فحشد كلّ ما لديه من وسائل الحقد والكراهية ضد روسيا التي ضاقت ذرعاً بالنفاق والغدر الأطلسيين، متناسياً أن الأخيرة تدافع عن وجودها ومستقبلها ومكانتها قبل أي شيء آخر.
إنعاشاً للذاكرة فقد كان الغرب البادئ بالحربين العالميتين المدمرتين الأولى والثانية وكذلك بالحرب الباردة، و لايزال يشن حروبه العسكرية والاقتصادية للسيطرة على العالم بمبررات كاذبة وقد آن له أن يتوقف.. فهل تكون الأزمة الأوكرانية بداية النهاية لهذه الحقبة السوداء من تاريخ البشرية..ربما، من يعلم؟!
البقعة الساخنة — عبد الحليم سعود