الملحق الثقافي:أمين غانم:
جموحُ اللون لا يمكن ترويضه، بل الفنان الخلَّاق لا يرغب أصلاً في ترويضه، كي يبقى مضطرباً معه، قائداً صمته إلى اغترابٍ يصنع أرقى الوجود، وكثيرٌ من الفنانين صنعوا الأرقى.
يبدأ الفنان عمله بفكرةٍ أُولى، لا يعرف بل لا يُحدِّد أين ينتهي، ويبقى للمُشاهد حريّة أن يَنظُر، وكيف يَنظُر إليها.
نحن الآن، بين العلاقة المتبادلة، بين الفنان والعمل الفني والمُتلقي.
يبدأ الفنان بتحطيم المألوف، لينحسر العالَم الطبيعي الحسّي، حتى يتلاشى أمام عالَمٍ من أحاسيسه وإبداعه وإلهامه، بلا أيّ مقاييسٍ ثابتة لتقييمه.
الفنان “بيكاسو” تنبّأ بمجزرة “الغورنيكا” التي كان قد أنجزها قبل أن تحدث المجزرة، فأضاف إليها المصباح الكهربائي فقط، دلالة على العصر الحديث التي وقعت فيه المجزرة، وإضافة المصباح تُثبت أن لا عمل فنياً يكتمل عند إنجازه، فتبقى حياة الفنان دفقاً من الإبداع في أعماله، وهي تحمل مدلولات تتقاطع مع عمق الإنسانية، مهما كانت غارقة في ذاتها.
أُحب أن أُشير، إلى أن الفنان يرتقي أيضاً، من خلال أعماله، وبما تُحدث فيه من تأثير وتغيير.
لا شكَّ أن العمل الفني عموماً، هو منظومة منسجمة، الحسّ البصري، ومزج التناغم، وتوزيع البقع الملوَّنة مع الظلال، والضوء بانتِشاره المُتفاوت داخل اللون.
حوار اللوحة الفنية والجمال، لا ينفصلان أبداً، وربما يستحيل حصر الجمال بأفكارٍ محددة، وكذلك اللوحة الفنيّة غير مكتملة، بل متعددة الرؤية حسب المُتلقي بفكره وثقافته، فلا بدَّ له أن يمتلك حسّاً فنيّاً راقياً، فَيرى فيها ما يقترحه الفنان من علاقات جديدة للإنسان بالعالَم.
مثلاً: حين يرسم جماداً، لا يستطيع إلا أن يضع عليه هواجسه وتصوراته، متمثلة بعنصرٍ قد يكون غريباً عنه، وعن المُتلقي معاً.
أيُّها المُتلقي: خُذ اللوحة بذائقتك وضَع مفاهيمك جانباً.
الصورة الفنية هيئة متكاملة متفتحة، لها شخصيتها المميزة، تقوم في وعي الفنان فيجسِّدها في الأثر الفنيّ لتعيش في وعي المُتلقي، تبدأ من قوة الفنان أمام أول بقعة على مساحة بيضاء، عبر مسارٍ زمنيٍّ متطوّر من فكرة أُولى، ليصل إلى غبطة الإبداع.. إلى خليطٍ من الغبطة والقلق.
إبداعٌ وخيالٌ هيولي يباغته، فيجسِّده في صورة قابلة للحياة، كزهرة تنمو وتتَّفتح يرغب بإيصالها إلى وعي المُتلقي، بإمكانياتٍ مختلفة لتفسير العمل الفنيّ بتعدُّد دلالاته، ليُسهم في خلق الموضوع الجمالي.
روعة الفن تكمن في الصورة الفنية بشموليتها العضوية، وتعدُّد دلالاتها وغِناها، فقد تكون شبيهة بحياة المُتلقي أو بعيدة عنها، حسب انفعال الفنان وتصوراته وخبراته، لذلك تبقى عملية الخَلق في الأثر الذي يبقى في وعي المُتلقي، وتتحوّل إلى وعي الجمهور، جملة أفكار انسجمت مع خبرته إلى مخزونه الفكري، تتطوّر وتتعاظم في الوعي الاجتماعي وارتقائه.
التاريخ: الثلاثاء9-3-2021
رقم العدد :1036