الملحق الثقافي:سلام الفاضل:
أيُّ طريق ينبغي أن نسلك في رحلة الحياة، هي مسألةٌ تواجه الشباب جميعهم، ومن هنا فإن أساليب التعليم كلها تستند إلى فرضية مفادها، أن الطريق الذي يسلكه المرء أمرٌ مهم، لكنّ التفكير واتخاذ القرارات المتعلقة باختيار أفضل الطرق يحمل أهميةً أكبر.
انطلاقاً من هذه الفكرة تأتي أهمية الكتاب الصادر مؤخراً عن “الهيئة العامة السورية للكتاب”، ضمن “المشروع الوطني للترجمة” (مفكرون كبار.. أفكار عظيمة “مدخل إلى الفكر الغربي) تأليف: فنسنت ج. فالكون، ترجمة: سماح قاضي أمين. الكتاب الذي يقوم بدراسة بعض النظريات السياسية والأخلاقية والاقتصادية، كما طرحها بعض المفكرين العظماء في الحضارة الغربية، للاطلاع عليها، والاستعانة بها عند تكوين آراء عن بعض الأسئلة ذات الأهمية الجوهرية في الحياة.
الفلسفة الغربية
لا يحاول هذا الكتاب دراسة الفلسفة دراسة متعمقة، بل يهدف إلى تعريف القارئ بالأفكار المهمة للفلسفة الغربية، والقيام بتحليل صحة الأفكار التي تواجه الإنسان، وزيادة عدد الإمكانات المتاحة عنده لدى اتخاذ الخيارات الفكرية، وذلك عبر طرح مقدمة أساسية عن المواضيع المُتضمَّنَة فيه، والتي سيتخذ الحديث عنها طابعاً موسعاً في السياسة والأخلاق والمنطق، ومُقتضباً في الجماليات، والميتافيزيقا.
يقول مؤلف الكتاب في مقدمته، عن طريقة العرض هذه بأنها: “مقصودة، والغاية منها حمل القرّاء على المناقشة، وتوسيع فهمهم للقضايا ذات الأهمية بالنسبة إليهم من خلال تبادل الأفكار”.
مؤثرات التفكير
يقع هذا الكتاب في أربع وحدات، تتضمن كلٌّ منها عدداً من الفصول. يشرع المؤلف في الوحدة الأولى بالحديث عن التفكير، ويخصص الفصل الأول منها لعرض المواقف، وكيفية تأثيرها في تفكيرنا، لينتقل في الفصل الثاني إلى تصنيف وجهات النظر، مستعرضاً في الفصلين التاليين نظرية المعرفة والمنطق، والمغالطات التي تشوب اللغة والمنطق.
الفلسفة الأخلاقية
تركّز الوحدة الثانية على فلسفة الأخلاق، وأفكار الخير والشر، والصواب والخطأ، وتقدم سرداً لأبرز المفكرين، والنظريات التي تمخضت عن هذه الفلسفة كمثالية أفلاطون، وواقعية أرسطو، ومفهوم الإيمان والعقل عند كل من الأكويني وديكارت، ومفهوم المثالية والتشاؤمية لدى كانط وشوبنهاور، ويقيم المؤلف في الفصل الذي يعرض مبدأي اللذة واللامبالاة، لدى أبيقور وإبيكتيتوس، مقارنة بين الفلسفة الأبيقورية التي اعتبرت الخير ملازماً للذة، والشر ملازماً للألم، إذ لم يكن هدفها تحقيق أكبر قدر من اللذة، بل بلوغ أقصى درجة من التوازن أو غياب الألم؛ وبين الفلسفة الرواقية التي تؤمن بضرورة تحمل الألم والمعاناة دون شكوى، وتَمثّل اللامبالاة إزاء العالم الخارجي ومؤثراته.
النظرية السياسية
وتقف الوحدة الثالثة على النظرية السياسية، ودراسة العلاقة بين الإنسان والدولة، وذلك عبر عرض جملة من المشكلات التي تعترض الحكومات، وعدد من المفاهيم التي طرحها بعض الفلاسفة والمنظّرين، مثل مدينة أفلاطون الفاضلة، والنظام الحكومي لأرسطو، وشيوعية ماركس، وفاشية موسيليني، والمحافظة والمثالية المطلقة لدى كل من بيرك وهيغل.
ويمايز الفصل الذي يتناول مفهوم المتعاقدين الاجتماعيين، بين رؤية لوك وروسو لنظرية العقد الاجتماعي، فـ “لوك” الذي كان من أنصار التجريبية، رفض الأحكام المطلقة، واعتقد بوجود خير متأصل في الإنسان، وأن البشرية تميزت عموماً بالتهذيب والعقلية الاجتماعية والقدرة على الحكم الذاتي. في حين أن روسو الذي كان مؤمناً بمشاعره أكثر من عقله، عدّ الغرائز نقية، والعقل ليس إلا مناورات ذكية لإضعاف الخير الطبيعي في الإنسان، وربما كان هذا هو السبب وراء اعتبار فلسفته مربكة في كثير من الأحيان، إذ يمكنه أن يكون الديمقراطي العظيم الذي يتحدث عن الإرادة العامة، ومن ثم يزرع بذور الشمولية.
النظرية الاقتصادية
وتخوض الوحدة الرابعة والأخيرة، في النظرية الاقتصادية من خلال تعداد جملة من السياسات الاقتصادية التي نجمت عن أفكار بعض الفلاسفة تلبية لحاجات مجتمعية في أزمنة متفاوتة، وتقديم آراء متعمقة حولها، من مثل سياسة عدم التدخل الاقتصادي والتجارة الحرة التي نادى بها كل من سميث وريكاردو، ونظرية الطبقة المترفة والضريبة الوحيدة التي أعلنها فيبلن وجورج، ونظرية الإنعاش الاقتصادي والخيار الفردي.
التاريخ: الثلاثاء9-3-2021
رقم العدد :1036