الملحق الثقافي:ألوان ابراهيم عبد الهادي:
الموسيقا غذاء الروح، وشدّة الجوع والشغف في تناول جرعة منها، تجذبك إلى منبعها وموارد وجودها، وهو ما شدَّني في جمعية أصدقاء الموسيقا في طرطوس، نادي الاستماع والمشاهدة المتتالية، إلى الأوبرالية الملحمية “كارمينا بورانا”.
قُدِّم العرض منذ أيام، ولأوّل مرّة يكون باللغة العربية، فقد ترجمه وقدّمه الموسيقي الباحث الأستاذ “بشر عيسى” الذي تحدثنا وإياه عنه، فكان أن قال:
“تعتبر هذه الملحمة الأوبرالية، من أهم المؤلفات الموسيقية في التاريخ، وتعني كلمة “كارمينا بورانا” أغاني بورانا، وهو عنوان الكتاب الموسيقي الذي ضمَّ المجموعة الكاملة للقصائد العلمانية اللاتينية، لشعراء مختلفين في مطلع القرن ١٢ الميلادي، وعددها ٢٥٠ قصيدة، وهي عبارة عن قصائد دنيوية تحكي سيرة وقصص ثورة رهبان أحد الأديرة، في القرنين ١٢-١٣ ميلادي، واكتشفت هذه النصوص التي صيغت باللاتينية، في “دير بندكتيني” بمدينة بورين في إقليم بافاريا.
تعبِّر النصوص عن الصراع الديني والدنيوي، الخير والشر، الإنسان والقدر، قصة السماء والأرض، ومؤلفة “كارمينا بورانا” تنتمي إلى قالب (الكنتاتا) ومعناها باللغة الإيطالية أغنية، وتعدُّ أحد أنواع التأليف الموسيقي الغربي الذي يكتب لصوتٍ واحد، أو أصوات متعددة، وتصاحبها آلات موسيقية مختلفة”.
قال هذ، ثمّ وضّح كيف تناول الملحن الألماني “كارل أورف” فصل “عجلة القدر” من هذا الكتاب، وكيف لحنه وهو المولع بالمزاوجة بين اللهجات القديمة والحديثة، وقدَّم موجزاً عن حياته وولادته ووفاته، وشغفه المبكّر بالموسيقا، وزواجه من راقصة باليه، وأعماله الأدبية والموسيقية المفعمة بالحب. لحن من “كارمينا بورانا” أربع وعشرين أغنية من فصل عجلة القدر، قسّمه ثلاث أقسام: الربيع، في الحانة، محكمة الحب .
تحدث أيضاً، عن إله الحب “كيوبيد”، وإله الحرب والفنون والمسرح “أبولو”، وآلهة الجمال “فينوس”، وكيف عرضت العرافة ثلاثة فتيات لـ “باريس” الذي تسلم الحكم في مملكته “جونو” و”مينرفا” و”فينوس”. الأولى قدمت له الأزهار، والثانية الحكمة، والثالثة أجمل امرأة. “هيلين” التي اختارها وخطفها من زوجها، وعلى أثرها انهارت مملكته ووقعت في الحروب .
يُكمل “عيسى” عن إله الخمر “ديونيسيوس”، وكيف درات “عجلة القدر” من الألم والفقد والحرمان، إلى السعادة التي تعطى للحظات ثم تخطفها الأقدار والآلهة. هذه العجلة القاسية، القابعة في الأعماق، تسحق دون أن تتوانى في حرقها لهذه اللحظات.
كلّ قسم له انفعالاته وتوهجه، يعطي دفقاً للروح في الانبعاث وتجييش المشاعر الإنسانية لاستغلال هذه اللحظات، وعدم هدر عذريتها وطاقتها من الحب، والانطلاق إلى أقصى مباهج الحياة، حيث إله الخمر يقدّم اللذة، وإله القمر يهبُ الضوء والبهجة، وإله الريح نسيمٌ ينشر العطر الفواح.
إنه فيلم موسيقيٌّ رائع، ومثيرٌ للجاذبية الإنسانية والروحية، وقد تمكّن الباحث الموسيقي “عيسى” من تقديمه بأسلوبٍ متواضع وشيِّق، جذب الجمهور الذي يحتاج إلى المزيد من هكذا إبداعات.
التاريخ: الثلاثاء9-3-2021
رقم العدد :1036