الثورة أون لاين – ريم صالح:
هل فرنسا هي بلد الحريات، والمساواة، والديمقراطية حقاً؟ أم إن ذلك كله مجرد أكاذيب لا محل لها من الإعراب الميداني الفرنسي، أو الترجمة الدبلوماسية في المحافل الدولية؟
ثم كيف تستقيم ثقافة حرية التعبير عن الرأي، والمساواة بين الرجل والمرأة في فرنسا مع ثقافة المقصلة؟ أليست فرنسا هي بلد المقصلة؟ و كم أزهقت من أرواح شعبها، وكم زجت منهم في الزنزانات في التاريخ القريب، وفي التاريخ المعاصر، وحتى هذه اللحظة؟ ثم هل هناك منا من لم يسمع بحراك أصحاب “السترات الصفراء”، ولماذا انتفضوا، وبماذا طالبوا؟ بل هل هناك من يستطيع أن ينكر كم اعتقلت السلطات الفرنسية من الفرنسيين المناوئين لقانون الأمن الشامل الذي يكم أفواه الفرنسيين، ويجرم، ويعاقب كل من يتجرأ على انتقاد وحشية، أو همجية، أو جرائم رجال الأمن والشرطة الفرنسية؟ وإذا كانت فعلاً فرنسا هي بلد العدالة الإنسانية، فلماذا هذه التفرقة العنصرية بين الرجل والمرأة وإلى يومنا هذا؟
ما نقوله ليس مجرد كلام، وإنما هو حقائق تترجمها الأفعال على الأرض، وإلا ما معنى هذه المظاهرات التي انطلقت في باريس بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، والتي طالبت بتحقيق المساواة بين النساء والرجال في الأجور في فرنسا، وما مبرر الإضراب الذي دعت له أكثر من 30 جمعية فرنسية؟
مئات الأشخاص تظاهروا في باريس، وليون، ومونبلييه، وكويمبر الفرنسية، معظمهم من النساء، وكلهم طالبوا بإعطاء المرأة الفرنسية حقوقها، وبأصواتهم وتظاهراتهم وحشودهم هذه عرت أولئك الفرنسيين ونظام بلدهم العنصري والفاشي، وكشفوه على حقيقته، لتغدو الكرة في ملعب القابع في الإليزيه، فهل ستصل صرخة النسوة الفرنسيات إلى آذانه، ويحرك الساكن؟ أم إنه سيتعامى عن المشهد كلياً، وسيتصرف بأنه لم يكن على الإطلاق.
للأسف فإن الدول الغربية التي صدعت رؤوسنا، ولا تزال، بتعويذاتها الديمقراطية، والإنسانية، وعلى رأسها فرنسا الاستعمارية، هي أكثر من ينتهك هذه الشعارات، ويضرب بها عرض الحائط، فلا حقوق للمواطن الفرنسي على الإطلاق، لا في التعبير، ولا في نقد السياسيين، والمسؤولين الفرنسيين، ولعل خير مثال على ما نقوله هنا هو ما قام به رئيس النظام الفرنسي ايمانويل ماكرون بشحمه ولحمه عندما انتقد الصحفي جورج مالبرونو، فقط لأنه قام بعمله بموضوعية، وهو الأمر الذي دفع ماكرون إلى التلويح بأن هذا التصرف تهديد للأمن القومي الفرنسي، في آلية من شأنها تقييد حرية الصحفيين، ومنعهم من نشر الحقيقة كما هي.
من شب على استعمار الشعوب، ونهب ثرواتها، وإسكات شعبه، وقطع رأس كل من يخالفه الرأي، شاب عليه.. هي فرنسا إذاً دون مساحيق تجميل، بلد اللا مساواة، وبلد المظاهرات، وبلد الوحشية، والقبضة الحديدية السلطوية، وأما كل ما يذاع من شعارات طنانة، وعبارات منمقة، وكل ما يذرف من دموع التماسيح على منبر الإليزيه على السوريين ،أو غيرهم من شعوب الأرض، فما هي إلا شعارات زائفة، ومعدة ومجهزة سلفاً للتصدير والاستثمار الخارجي، لتكون أداة المحتل الفرنسي وشماعته المهتئرئة للتدخل في شؤون المنطقة، وقضاياها السيادية، والتأثير في استقلالية قرارها لا أكثر ولا أقل.
ولمن يصر على التشكيك، والتعامي عن الحقيقة التي لا تقبل النقاش، فليراجع سجلات التاريخ، فوحدها الأقدر على وضع الأمور في نصابها الصحيح.
التالي