ثورة أون لاين _ ديب علي حسن :
بداية لابد لي أن أقول إن العنوان المستفز هذا قد لايروق الكثيرين مع انه يعجبني ولكنه ليس ملزما لأحد وثانيا ..لا يعني أني لست مغروما ومتابعا لهذه الصحافة الهشة والتجارية التي لابد منها ..وقدرنا أن نتعامل معها وان نعمل على امتطاء الموجة وركوب بحرها …امر مسلم به .. لاسيما أن الجميع صار إعلاميا وقد أتاح الإنترنت لمن يفك الحرف أن يحاجج اي عالم يريد ..
بكل الاحوال ايضا لابد من تسجيل اعتراف واضح وصريح وشكر مقدم لمن فكر وأعد وخطط لهذه الورشة التي تعد سابقة في الإعلام بحجمها وعدد المدعوين وثقتي أن رأيي قد يحمل فائدة وما من مشارك فيها الا وسيخرج اكثر عمقا مما كان عليه قبلها.
يسجل للعالم الثالث أو لنقل دول الأطراف أو الهامش كما يسميها الغرب العنصري ..يسجل لها ويؤخذ عليها انها تستهلك الرسالة الإعلامية وأدواتها وتمضي إلى شبكة التضليل التي يخطط لها ..
الغرب لم يتخل عن الصحافة والكتب الورقية ويمكن لمن يريد أن يتابع الضخ المالي الذي قدمته الدول الغربية لصناعة الكتب والصحافة في أزمة كورونا واطلقت عليها سياسة الطوارىء الثقافية …
وقدرنا أن نخلط بين مواقع التواصل والإعلام وبين مواقع الأخبار والصحافة الرقمية …دخلنا تحديا كبيرا فرضه الفضاء الازرق وعلينا أن ننجح فيه ولكن للاسف نجاحنا عند البعض يعني بتر الجذر الذي أطلق الأغصان وينسى من يفعل ذلك أن النسغ الذي يعيش منه هو من الجذر ولابد انه سيصل الذبول حين يغادر جذره.
وجهة نظر غربية..
في كتابه المهم ..الثورة الرقمية ثورة ثقافية..الصادر عن سلسلة عالم المعرفة الكويتية عالم ٢٠١٨م ترجمة سعيد بلمبخوت والزواوي بغورة …يعرض مؤلفه ريمي ريفيل دراسة واسعة للصحافة الرقمية ومجالاتها وأفقها ويجري مقارنات واسعة ومهمة ..وريمي ريفيل عالم اجتماع فرنسي استاذ في جامعة باريس الثانية وفي المعهد الفرنسي للصحافة..مهتم بدراسة أحوال العلاقة بين الوسائل الإعلامية والثقافة.
في الفصل المعنون ب(علاقة أخرى مع الإعلام والسياسة ص ١٣٦) يتحدث عن الصحافة الرقمية ويكتب قائلا : يبدو أن الصحفيين اصبحوا تحت رحمة الكماشة بين السياق الاقتصادي والمالي المقلق والخلخلة التكنولوجية الكبرى لتلك السنوات وطرق التصديق الجديدة على المعلومة من طرف الجمهور فهذه حالة غير مسبوقة تخلخل المهنة وتحتم على الصحافيين التكيف بسرعة.
صحافة تجارية ..
الدور المتزايد الذي تؤديه متطلبات التسويق والبعد الصناعي لمهنة الصحافة يدفع الصحافيين إلى معالجة موضوعات دون غيرها وفق تطلعات الجمهور ومن ثم إعطاء الأولوية للموضوعات المثيرة وبذلك تقوم صحافة تسويقية وفق الطلب اكثر من العرض وهي تندرج في إطار أوسع بمنطق الأولويات من حيث عدد المتتبعين والربح المادي ويتعين هنا البحث عن الزبون الجيد …
يستطيع الصحافيون بفضل الوسائل الدقيقة معرفة تصرفات المتصفحين فيعرفون بكل سرعة كيف يتصرف الجمهور حول هذا المقال أو ذاك ..وكيف يتعين التصرف تبعا لذلك في اللحظة الراهنة ويقود البحث
عن إرضاء المستعملين للويب إلى تفضيل الرؤية وتأثير بث المعلومة..
(اختيار المديح ) بغض النظر عن أهميتها أو إصالتها الجوهرية فالتجانس المطرد للممارسات التي تنتج عنها يكرس بدوره شكلا من التقليد المعمم ويؤدي إلى إنتاج معلومة تكون في الغالب متأرجحة وبقيمة مضافة ضعيفة حيث يكون التغليف من أجل استعادة المصطلح القديم أو على نحو أدق أخراج وتنميق الرسائل التي تحملها المضامين ..ومع ذلك توجد بؤر للمقاومة داخل ذلك الشكل
من عدم التناسق المتزايد في ميدان الإعلام…وكثير من المواقع تعمل على الاستطلاع بعيدا عن التيار السائد حول علاقة أخرى من حيث الزمن وحول تعاون متين مع الجمهور ..والنمط الاقتصادي لهذه المواقع يبقى هشا فإن علاقة نجاحه تجذب بشكل متزايد الجيل الجديد من الصحافيين …
متاعب ..
ويخلص إلى القول ..إن الشبان المقبلين على المهنة اصبحوا يواجهون بشكل متزايد هشاشة وضعيتهم المهنية التي تؤثر من دون شك في الظروف المهنية والتي أصبحت الهم المشترك لاغلبهم بتوفر يد عاملة رخيصة ..تبدو الظاهرة واضحة ايضا في مجال التحرير على الويب ..حيث أصبح إيقاع العمل بالخصوص مكثفا والمهام جد متكررة إلى درجة أنه يمكن الحديث عن نشوء طبقة جديدة من الصحافيين..( العمال المهرة في الإعلام ).
قول على قول …ما جاء هو لأستاذ اعلام فرنسي يقرأ ويحلل ويشير إلى هشاشة هذا اللون من الإعلام ولكن لابد منه بل ويجب دخول معتركه تماما ..
السؤال الذي يجب أن يطرح في الورشات العملية هو ..كيف أستطيع جذب المتابع من عالم الفيسبوك إلى الإعلام الرقمي …كيف اعمل على الوصول إليه..هل لدينا البنية التحتية التامة ..كهرباء نت ..متابع ما يقول ..عندما تأتيني الكهرباء لساعة واحدة لن ادخل موقعا اعلاميا ..سأتصفح الفيسبوك وغيره …هنا السؤال الملح كيف أجعله مقتنعا بي …هل أستطيع..ما الظروف التي تهيء لذلك ..موضوعية وذاتية ..
ورشات العمل القادمة يجب أن تناقش مثل هذا وايضا علم اجتماع الفضاء الازرق ..بالمناسبة اهم الكتب التي صدرت في الغرب خلال السنوات الماضية مثل ملف غوغل والثورة الرابعة والثورة الرقمية تناقش هذه القضايا…
ولعلي أختم بما يقوله أحد علماء الاقتصاد الغربيين ممن يقدمون دراسات حول اقتصاد المعرفة ..إذ يرى أن بترول اليوم هو البيانات ..نعم التي نضخها وثمة من يراكمها ويحلل ويبيع ..
بقول آخر لكاتبة غربية تقول …حذار نحن لا نصنع الفطائر نحن نهندس المجتمعات ..
عالم بلا حدود كل لحظة فيه الجديد ..ورشة العمل هذه يجب أن تكون بداية لورشات عمل وحذار أن نركن كل شيء في الإعلام الرقمي الهش لابد من اعلام تقليدي يكون الجذر ورقيا تلفازيا إذاعيا ..جذورنا بدأت تظهر لنوثق..والرسالة الإعلامية لا تقاس بالربح المادي وما تبيعه وتحققه من مردود مالي …هندسة المجتمع والتنوير وبناء الوعي غايتنا.