الثورة أون لاين _ فؤاد مسعد:
لم يشفع له حبه للحياة وتمسكه بخيوط الأمل، ولم تشفع له طموحاته ومشاريعه القادمة التي كان يحضّر لها بشغف كبير.. فكانت يد الموت أقوى وأسرع إلى خطفه من بين أصدقائه وأهله ومحبيه، إنه الكاتب سمير هزيم الذي وافته المنية اليوم الجمعة بعد مضاعفات إصابته بفيروس كورونا وقد نعته نقابة الفنانين في سورية كما نعاه محبوه.
وقد تميّز الراحل بروحه الدمثة حتى في مرضه ، فمع بداية الشهر الماضي كتب على صفحته الشخصية في الفيسبوك (ليت الحب يصيبنا .. كما تصيبنا الأمراض) وفيما بعد أعلن عن إصابته بفيروس كورونا في الثاني عشر من شباط وبأنه يقاومه بشراسة (بقيت متمسكاً بأذيال الحياة).
كان للراحل النبيل الذي سبق ومارس المحاماة ، رؤاه الفكرية والثقافية والإنسانية والجمالية والتنويرية المبنية على أسس عميقة من تراكمات وخبرات وقراءات وبحث ، تلك الرؤى التي عبّر عنها في أكثر من منحى ، منها الكتابة الدرامية للتلفزيون وله ضمن إطارها المُعلن سيناريو مسلسل (بروكار) في جزئه الأول الذي عرض في رمضان الماضي وجزئه الثاني الذي يُصوّر حالياً ليتم عرضه في رمضان القادم.. محاولاً عبر ما قدم فيه الذهاب باتجاه المختلف والسائد في نمط البيئة الدمشقية. ومما سبق وقاله عن المسلسل عبر لقاءات له في صحيفة الثورة أن العمل نظيف من كل التفاصيل التي درجت عليها المسلسلات الشامية الأخرى ، يقول: (قدمت ورقاً خالياً تماماً من كل التفاصيل التي درجت على تكرارها أعمال البيئة السابقة ، واستبدلت تلك التفاصيل بقصة تتضمن الحب مع الجريمة والتتبع الجنائي لها). وعن الاسقاطات والرسائل التي ضمّنها للعمل يقول: (في المعنى البعيد البروكار بخيوطه الثلاثية الرئيسية ، خيط الذهب وخيط الفضة وخيط الحرير الطبيعي ، هو الصورة المصغرة والانعكاس لجمالية التنوع والتلون في المجتمع السوري، كما ضم العمل مجموعة من الوقائع هي إسقاطات لقضايا كبيرة ، وشكلت قصص الحكواتي مواضيع للنقاش في عصرنا الحالي وسلطت الضوء على ازدواجية المعايير).
ما أشد الحزن الذي يكتنف النفوس عندما يترجل المبدعون ، فخبر الغياب يبقى مفجعاً ويحمل بين طياته الكثير من الألم والمرارة والحسرة ، فكيف الحال إن كان هذا المبدع هو الكاتب سمير هزيم الذي ترجل عن صهوة جواده وهو في ذروة العطاء على صعيد الدراما التلفزيونية.. ربما يأتي نبأ الوفاة ليذكرنا بالجدلية الدائمة بين الموت والخلود ، إنها جدلية أكثر ما يمكن ملامستها عند من يتركون بصمات لا تُمحى ، فيبقى ذكرهم في القلب والوجدان . ومما لا شك فيه أن الكلمات في مثل هذه المناسبات تخون صاحبها وغالباً ما تأتي أقرب للبعثرة ولكنها في مجموعها تشكل حالة حب ووفاء لمبدع أعطى بصدق وحب لعمله ولجمهوره ، لقد كانت محبته للآخرين تفوح كعطر ياسمين الشام بطيبة وعفوية وقلب كبير ، ذلك العطر الذي يصعب تجاهله إن حل في مكان لما يمتلك من سمات تجعل من صاحبه إنساناً بكل مقاييس الإنسانية ومبدعاً يعطي من قلبه وذاته الكثير .. رحم الله الكاتب سمير هزيم وأسكنه فسيح جنانه.