الثورة أون لاين – عزة شتيوي:
“إننا في سورية حاربنا الإرهاب نيابة عن العالم” لم تكن هذه العبارة التي صدح بها صوت وزير الخارجية السوري الراحل الأستاذ وليد المعلم في هيئة الأمم المتحدة إلا صورة شاملة لمحاربة سورية للإرهاب ولما حدث من جرائم إرهابية على الأرض السورية، والتي شهدت خلال عشر سنوات مرت أفظع وأبشع أشكال الإرهاب الذي تلون بين ما سمي “جيش حر” وتنظيم النصرة “وخلافة داعش” وغيرها من التنظيمات الإرهابية المسلحة والتي ما كان لها أن تنتشر وتتوسع لولا الدعم الغربي والتمويل الإقليمي من دول باتت معروفة ومدانة من قبل شعوبها وشعوب العالم أجمع بما تحمل من فكر إرهابي ووهابي قائم على التطرف وفتاوى القتل بأمر من غرف الاستخبارات الغربية.
فغدت السنوات العشر التي مرت هي الأكثر دموية في التاريخ، رغم أن تجارب البلدان السابقة والتي خاضت حروبها مع الإرهاب كالجزائر وما شهدته من عشرية دموية لم تكن إلا نموذجا مصغراً لما حصل في سورية من تفجيرات وقتل وذبح للمدنيين والعسكريين، فبات الجرح السوري يصرخ من عمقه ليدين الغرب ووكلائه وأدواته الإرهابية التي استباحت كل المحرمات الدولية لتمرر أهداف مشغليها في البيت الأبيض، حيث كانت سورية عصية على سياساتهم ومخططاتهم ومشروع الشرق الأوسط الجديد، فعكس حجم الإرهاب الذي مرروه وجه واشنطن الحقيقي، التي سُحقت قطبيتها الأحادية على أبواب القرار الدمشقي بالمقاومة والصمود.
عشر سنوات مرت كانت فيها الحرب الإرهابية على سورية تحت أضواء التضليل الإعلامي والتعتيم على الجرائم الإرهابية وتجاهل أصوات الانفجارات التي وصلت كل بيت سوري، لكنه بقي حتى اليوم قائما على أعمدة المقاومة رغم ما سرق ونهب ودمر وقتل وشرد منه، تارة بأمر “الخليفة” الداعشي، وأخرى بفرمانات السلطان العثماني أردوغان الذي تربع في الحرب على سورية على عرش اللصوصية، ناهيك عن نزول أميركا علنا إلى ساحة الحرب واحتلالها للأراضي السورية وسرقة النفط والثروات وحرق المحاصيل وكل سبل الحياة للسوري، ثم يأتينا الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن ليرفع شعارات حقوق الإنسان والتي لا تشبه في فجاجة من يحملها إلا الشعارات التي رأيناها في بداية الحرب العدوانية على سورية، شعارات “الحرية والديمقراطية” التي رفعت منذ عام ٢٠١١، مر في ظلها وبحسب مركز فيريل ما يزيد عن ٣٦٠ ألف إرهابي أجنبي من ٨٣ بلدا دخلوا سورية منذ نيسان عام ٢٠١١، وهذا بشهادة الكثير من الدراسات والإحصائيات التي لم تتوصل إلى أرقام دقيقة يوم فتح أردوغان حدوده مع سورية على مصراعيها، واستضاف التطرف في قصوره الإرهابية ليدير العمليات ويجعل من نفسه القائد الأعلى لجيوش المرتزقة والإرهابيين.. أما الحقيقة وبدقة، فترويها عيون السوريين التي شهدت يوماً بيوم كل تفجير، وسمعت أصوات الذبح بسيف “داعش والنصرة” ورأت سرقة الآثار والمعامل ومحو الحضارة بالتدمير لصالح الكيان الصهيوني ومن خلفه أميركا.
في العشر سنوات التي مرت كانت التنظيمات الإرهابية تتلون وتغير مسمياتها، ولكل منها دوره في القتل والتدمير والسرقة، فتنظيم داعش على سبيل المثال ظهر في المناطق النفطية في سورية، ثم توزع ليطال الأماكن الأثرية في العراق وسورية كمدينة تدمر التي حاول السيطرة عليها مرتين، حيث “لداعش” أيضا مهمة تدمير الحضارة حيث استهدف الآثار وقام بسلبها وبيعها، كما قام بتدمير واجهة المسرح الروماني والتترابيلون فيها، وقد اعتبرت منظمة “اليونسكو” ذلك خسارة كبرى للشعب السوري والإنسانية جمعاء، واتت عملية تدمير المسرح بعد ساعات قليلة من تلقي اليونسكو تقارير بشأن إعدامات جماعية في المسرح الروماني.
أما “الأضرار الهائلة”، وفق اليونسكو، فسجلت في حلب القديمة المدرجة على قائمة المواقع الأثرية العالمية، أيضاً حيث طالت الأضرار المسجد الأموي الكبير، والقلعة وغيرها من المواقع التاريخية، وكل ذلك كان محاولة لخدمة مشروع محو الهوية التاريخية لسورية والمنطقة وترتيبها على أساس الخرائط الغربية الجديدة، لكن هذا المشروع فشل يوم اندحر “داعش” بسواعد الجيش العربي السوري، ومساندة الحلفاء والأصدقاء في روسيا وإيران.
ومن منا لا يذكر كيف كان هذا التنظيم يرتكب الفظائع تحت إدارة التحالف الدولي الكاذب لمحاربة “داعش”، فراح يحرق المدنيين أحياء، وفي الذاكرة العالمية سجله الحافل بالجرائم ليس في سورية فقط، حيث قام بحرق مدنيين وطيار سوري.
كما استخدم “داعش” الذبح والإعدام كوسيلة للسيطرة على الأراضي في كل شبر استطاع الاستيلاء عليه بدعم من الغرب، وتسجل ذاكرة السوريين الكثير من هذه الحوادث والمجازر الجماعية التي راح ضحيتها المئات دفعة واحدة في بعض الأحيان، كذبح ألف مدني من عشيرة الشعيطات في المنطقة الشرقية، والهجوم على المساكن المدنية، وإعدام القامات العلمية والأدبية، حيث أدان العالم جريمة قتل عالم الآثار السوري خالد الأسعد وغيره من القامات السورية العلمية، ولم يكن السيف والأسلحة التقليدية فقط هي أدوات “داعش”، بل استخدم هذا التنظيم الإرهابي الذي يوحي بأشكال ولباس مسلحيه أنه قادم من كهوف التاريخ أكثر الأسلحة الأميركية تطوراً، وأخطر الأسلحة المحرمة كهجومه بالسلاح الكيماوي في ٢٠١٦ على منطقة أم حوش في ريف حلب.
كما استخدم “داعش” الأطفال وقام بتجنيدهم لصالح عملياته الإرهابية واختطف النساء واغتصبهن، ووضع المدنيين في أقفاص، وله أيضا تاريخ حافل بالاتجار بالأعضاء البشرية معتمدا على جراحين “مستوردين” من بعض الدول، أما الأعضاء فتؤخذ سواء من مسلحيهم القتلى أو من أجساد الأسرى والمخطوفين الأحياء، بمن فيهم الأطفال أيضا.
“جبهة النصرة”..
أظهرت واشنطن ومن معها من التحالف الدولي محاولات لمحاربة تنظيم داعش في الوقت الذي كانت تدعمه لوجستياً لدرجة إنزال موائد الطعام له بالطائرات في مناطق حصاره مستغلة المجال الجوي الذي احتله التحالف الدولي، وفي مسرحيات محاربته ارتكبت أفظع الجرائم لتقصف مدن وقرى بالفسفور الأبيض, وكلنا يذكر قصفها لقرية الهجين في ريف دير الزور، لكن “داعش” كان أداة عبرت فيه واشنطن إلى احتلالها الأراضي السورية, وأنشأت قواعدها غير الشرعية على آثار خيم” خلافة البغدادي” التي قالت إنها قتلته، لكن واشنطن لم ترم أداة الإرهاب من يدها، فبقيت تدعم التنظيمات الإرهابية الأخرى كتنظيم جبهة النصرة والذي بقي أداتها الإرهابية منذ بدء الحرب على سورية, وحتى يومنا هذا تتجنب واشنطن إدانة أو ذكر التنظيم في تصريحاتها حول الإرهاب، بل على العكس تحاول تلميع صورة التنظيم خاصة أن زعيم جبهة النصرة الإرهابي أبو محمد الجولاني ظهر إلى جانب صحفي أجنبي والتقط صورة ببزة رسمية وكأنهم يسوقونه ليكون طرفاً سياسياً، وهذا ليس غريباً على واشنطن التي صافحت طالبان بعد أن رقصت كثيراً على طبول الحرب في أفغانستان.
واليوم جبهة النصرة بعيدة عن أضواء محاربة الإرهاب كما كانت سابقا، فهي النواة الأولى لتشكيل الإرهاب وزرعه في سورية، وبدلت في تسمياتها كثيرا في محاولة للتهرب من ضرائب مكافحة الإرهاب، كما حاول السلطان العثماني اردوغان أن يجعل منها تنظيما عابرا للحدود على شاكلة تنظيم داعش فراح يهرب الإرهابيين من إدلب إلى ليبيا وإلى أي بقعة تتخيلها أوهامه العثمانية.
ارتكبت جبهة النصرة الإرهابية التي نشأت كفرع لتنظيم القاعدة الإرهابي كل الفظائع بحق السوريين، ولا تختلف عن «داعش» في الأهداف والايديولوجيا المتطرفة، بل سبقت التنظيم في ارتكابها الجرائم بحق السوريين والبنية التحتية لسورية، ففجرت واستهدفت المحطات الحرارية الكهربائية وأنابيب النفط، وهناك من وثق قيمة الخسائر النفطية التي تسبّبت بها اعتداءات “النصرة” بما يقارب 10 مليارات دولار حتى عام ٢٠١٧، كما سرقت وفكّكت (مع تنظيمات إرهابية أخرى) حوالي 35 ألف معمل ومنشأة صناعية في حلب، وهرّبت أغلبها إلى تركيا بطلب من اللص أردوغان، وعمدت إلى تشكيل (إمارات إسلامية) لكنها فشلت وانهزمت وانكفأت تحت ضربات الجيش العربي السوري إلى مدينة إدلب التي تعيث فيها إرهابا بحماية من الغرب وتركيا.
عمدت جبهة النصرة الإرهابية منذ ظهورها مع بداية الحرب على سورية إلى التفجير والتفخيخ في مؤسسات الدولة، واستخدمت أيضا السلاح الكيميائي، ولا ينسى أهالي الغوطة الشرقية لدمشق فجر يوم 21 آب – في عام 2013، حين استهدفت جبهة النصرة الأهالي الآمنين في بيوتهم بصاروخين يحملان غاز السارين، ما أدّى إلى مجزرة غير مسبوقة، وكذلك في حلب وإدلب كما قامت بعمليات خطف للرجال والنساء والأطفال ورجال وعلماء الدين والقائمين على دور العبادة، كراهبات دير مارتقلا في معلولا التاريخية (في مطلع أيلول -2013)، ولم يسلم منها موظفو الأمم المتحدة وقوات الاندوف في الجولان السوري المحتل، كما هددت المدنيين بالقذائف وقتلت الكثير من السوريين على امتداد السنوات التي مرت خاصة أنها كانت تستخدمهم كدروع بشرية.
ارتبطت جبهة النصرة أو ما سمي ب”هيئة تحرير الشام” مع مجموعات من الفصائل الإرهابية المسلحة التي ربما تختلف معها من حيث التمويل لكنها تتلاقى معها في الدعم الغربي والفكر المتطرف، وتتفق معها على قتل السوريين واستهداف دولتهم، ولم يختلفوا إلا على الغنائم والزعامة، وهو ما ظهر في الاقتتال بين هذه الفصائل مع بعضها ومع جبهة النصرة حول تزعم المشهد الإرهابي خاصة ما كان يسمى “جيش الإسلام” الإرهابي، والذي خرج ذليلا من أطراف دمشق وراح يتقاتل مع النصرة في إدلب
على التزعم بعد أن كان رديفا في جرائمه، وبعدما أن اختلفت أيضا الدول الممولة للإرهاب فيما بينها كمشيخة قطر التي تدعم “النصرة” والسعودية التي تدعم “جيش الإسلام”.
“جيش الإسلام”..
استخدم «جيش الإسلام» الإرهابي السلاح الكيميائي في حي الشيخ مقصود في حلب، في 7 نيسان – 2016، من خلال إطلاقه قذائف تحمل غازات سامة، كما قام هذا الفصيل الإرهابي باستغلاله الأسرى من النساء والأطفال، وعرضهم في أقفاص على أسطح مقرّاته وشوارع دوما والغوطة الشرقية، ودمر كذلك عددا من الحقول النفطية في دير الزور.
وأحرق الكثير من الأراضي الزراعية في الغوطة بدمشق، وكلنا يذكر كيف تبنى متزعم هذا الفصيل الإرهابي إطلاق آلاف القذائف والصواريخ على مدينة دمشق من منطقة الغوطة ومن حي جوبر والتي سقط ضحيّتها آلاف الشهداء والجرحى من المدنيين، وخاصة في العام 2015.
وبالإضافة إلى” جيش الإسلام ” الإرهابي هناك الكثير من الفصائل التي شكلت خارطة الإرهاب كحركة نور الدين الزنكي والتي ظهرت في الريف الغربي لمدينة حلب وكان لها النهج التكفيري الذي حملته” النصرة وداعش ” فحاصرت المدن كنبل والزهراء وقتلت وشردت الأهالي والأطفال أيضا، لدرجة أنها أقدمت على ذبح الطفل الفلسطيني عبدالله عيسى (12عاماً)، في حلب بعد أن زعمت أنه يقاتل إلى جانب الجيش العربي السوري، ولا يخفى على أحد دعم تركيا والولايات المتحدة الأميركية وتمويلهما لهذه الحركة الإرهابية التي انتهجت القصف العشوائي المتواصل للأماكن المأهولة بالمدنيين، بواسطة الصواريخ والقذائف المدفعية التي تحوي مواد كيميائية، حيث أدّى هجومها الكيميائي على منطقة خان العسل بحلب، بتاريخ 19 آذار 2013 إلى ارتقاء شهداء وإصابات بحالات اختناق.
القائمة تطول بأعداد وأسماء فصائل الإرهاب وجرائمها التي سكتت عنها الهيئات الأممية ولم تذكر ضحاياها من السوريين إلا في إحصائيات حيادية، وهي تعرف الإرهاب على أنه طرف لنزاع لا أكثر بينما تراه ذئابا منفردة إذا ما ارتد بعض مرتزقته على نحر مشغليه من الغرب الذي يهرب من تعريف الإرهاب، بينما يشكل تحالفات تحت ذريعة محاربته لاحتلال البلدان كما فعلت واشنطن في منطقة الجزيرة حيث خيمت تحت ظلال سيوف “داعش” وتصافح “النصرة” اليوم لتجعل من الإرهاب طريقها فوق دماء الأبرياء لتحقيق مصالحها.
عشر سنوات من الحرب الإرهابية على سورية أثبت خلالها الجيش العربي السوري قدرته على دحر قطب واشنطن الإرهابي، ولا يزال إلى هذه اللحظة يحارب الإرهاب بدعم من حلفاء دمشق، منذ يوم سقط القناع عن دور تحالف ستين دولة اجتمعت بطائراتها تحت مسمى مكافحة الإرهاب لتغطي على جرائم التنظيمات المتطرفة، لذلك قالت دمشق بفمها الدبلوماسي أنها تحارب الإرهاب نيابة عن العالم بإمكانياتها بعيداً عن طائرات التحالف الدولي الحديثة والتي تبين أنها من ورق سياسي، وخيطان المؤامرة على سورية.