الثورة أون لاين – ماجد مخيبر:
العولمة هي واقع وهي حقيقة متنامية ستفرض نفسها ولكنها ليست حلماً بقدر ما هي مليئة بالمخاطر والتهديدات، ومن لا ينجح في إدراك هذه المخاطر سيكون مصيره الخروج من العالم القادم، فالتيار النيوليبرالي استطاع تجاوز الحقل الاقتصادي وبلورة رؤية جديدة ليس فقط للمجتمع والدولة بمستواهما القطري، بل رؤية للعالم بكل تنوعه وتعقيداته وتم تبني المقاربة النيوليبرالية من قِبَلِ المنظمات الاقتصادية الدولية كصندوق النقد الدولي الذي عمل وفق هذه الرؤية على إعادة رسم اقتصاديات الدول الفقيرة بالضغط على حكوماتها لتبني خيارات نيوليبرالية.
الدكتور عبد القادر عزوز مدرس بكلية الاقتصاد جامعة دمشق قال: لا بد ونحن نتطرق إلى مفهوم العولمة أن نفهم النظرية التي يستند إليها خطاب العولمة والمتمثل بالليبرالية الجديدة وخلاصة هذه النظرية حسب مفكريها، هي حرية انتقال رأس المال عبر جميع الحدود الدولية وبذلك سيتحقق استخدامه الأمثل وبالتالي على الأموال المدخرة في العالم أن تنتقل دوماً الى المجالات التي تحقق أفضل استخدام وبالتالي فإن هذا الأمر يعني أن تنتقل الأموال من البلدان الغنية برأس المال إلى الدول الغنية بفرص الاستثمار، وبالتالي يتحقق للمدخرين أكبر عائد، وأيضاً بالنسبة للمقترضين الذين سيحصلون على أدنى فوائد عوضاً عن الخضوع لاحتكارات المصارف الوطنية أو دفع فوائد عالية وبهذه الطريقة سيتحقق أكبر ربح وأعلى معدلات للنمو.
ويضيف عزوز أن المقولة الأساسية لهذه النظرية هي أن ما يفرزه السوق هو شيء صالح أما تدخل الدولة فهو طالح، وانطلاقاً من ذلك قامت العديد من الحكومات الغربية في الثمانينات باتخاذ تلك النظرية شعاراً أو مناراً لها، وأصبح شعار عدم تدخل الدولة، وتحرير التجارة، وحرية تنقل رؤوس الأموال، وخصخصة المشروعات الحكومية، وسائل هامة في أيدي هذه الحكومات والمؤسسات الدولية التي تدافع عن مثل تلك السياسات، وأصبح التحرير الكامل لأسواق الصرف الأجنبي وأسواق رأس المال دون أي اعتراض أكبر تغيير جذري في النظام الاقتصادي لدى حكومات الغرب، وأيضاً جاء انهيار الاتحاد السوفييتي وهيمنة أميركا على العالم وانتصار الرأسمالية وقوى السوق، دفعاً قوياً ومصداقية لهذه النظرية مما سار بها على خطا متسارعة لاستكمال أسس نظريتها على مستوى العالم، تحت مرادفات مختلفة كالنظام العالمي الجديد والعولمة، ومن هنا فإن الليبرالية الجديدة تعد جزءاً من تحولات طرأت على الميزان الدولي لصالح الغرب ومؤسساته وأنظمته السياسية والاقتصادية.
عزوز أوضح أن الأزمات المالية والاقتصادية العالمية التي عصفت ببعض بلدان العالم الرأسمالي، أظهرت أن المدرسة النيوليبرالية عرضت للخطر أسس التطور الاقتصادي في العالم، وتحديداً الإنتاج القائم على الابتكار والمعرفة في القطاع الحقيقي الذي يحتاج إلى الحماية، خصوصاً في مراحل نشوئه الأولى إلى أن يشتد عوده، وإلى حماية عوائده وكذلك على الاستهلاك الجماهيري الواسع القائم على الأجور الحقيقية النامية في القطاعات ذات الكفاءة العالية بالدرجة الأولى، وعوضاً عن ذلك انتقل الريع في عصر النيوليبرالية بالكامل تقريباً إلى القطاع المالي المضارب، وأصبح يعمل بمعزل عن نشاط الاقتصاد الحقيقي ومن خلال المضاربات في الأسواق المالية والمضاربات العقارية فصارت تتحقق أرباح طائلة وتتراكم ثروات هائلة في أيدي المضاربين من دون أن تكون لها علاقة بالإنتاج وهي ما تسمى ظاهرة الأرباح من دون إنتاج.
فأسهم الشركات وقيم سندات المال لم تعد ترتبط بإنتاجية المؤسسة وأرباحها، بل بحال السوق المالية والعرض والطلب على هذه الأسهم والسندات، بوصفها سلعة أساسية ومستقلة عن المؤسسة التي تصدرها، والتي يمكن أن تصعد أو تهبط قيمتها نتيجة مضاربات أو إشاعات تبث من دون أساس أحياناً.