شعاراتها حق يراد بها باطل.. البنك وصندوق النقد الدوليان من أدوات “الليبرالية الحديثة”

الثورة أون لاين – عبد الحميد غانم:

أشاعت “الليبرالية الجديدة”، بأنها الحرية أو التحرر، و أن “الاستبداد ” هو نقيضها، لأنه يعني القهر وسلب الإرادة، إلا أن المفارقة كانت في تطبيق “الليبرالية الحديثة” وخاصة الاقتصادية منها، وما انطوت عليه من نتائج ترسخت في الواقع من سيطرة وهيمنة على الخارج، وعلى استبداد وتقييد للحريات في الداخل.
وشكلت بعض المنظمات الدولية وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي التي كانت من أشد المتحمسين لهذه “الليبرالية”، أقوى الأدوات في الترويج لها والضغط للأخذ بها.
وكادت توجهات الليبرالية الجديدة التي دعت إلى تطبيقها تحت شعارات حق “برامج التنمية والتحرر الاقتصادي والتقدم الاجتماعي والعدالة الاجتماعية” أن تختفي أمام الزحف الكاسح لمصطلح “التكيف” أي تحول للأنظمة التي تطبق الليبرالية إلى نظام اقتصادي رأسمالي وفق الأنموذج الغربي الأمريكي، مما خلق مشكلات صادمة للمجتمع نفسه.
فالبعد الاقتصادي لبرامج الصندوق والبنك الدوليين المستند إلى “الليبرالية الجديدة”، الذي يرى أن الرأسمالية كنظام اقتصادي اجتماعي هي “أفضل النظم وقمة التطور ونهاية التاريخ “، فقد تضمنت تلك البرامج توجيهاً لمعظم الدول الفقيرة باعتماد سياسة الانفراج السياسي الداخلي -باسم الديمقراطية- على قاعدة “الليبرالية الجديدة”، وبما يخدم سياسة بيع القطاع العام أو الخصخصة من جهة، وتقييد حرية القوى السياسية في إطار القوانين والديمقراطية الشكلية، أو ما عرف بـ” ديمقراطية التكيف” مع نظام العولمة التي قامت بتطبيقها السلطات التنفيذية في بعض بلدان العالم الثالث استجابة لشروط البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي، وقد دخلت في مشكلات معقدة أصابت مجتمعاتها بالفساد الاقتصادي إضافة إلى أزمات اقتصادية ومجتمعية وسياسية تنفيذا لشروط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي المعقدة والقاسية التي تقوم على تطبيق الشروط الأمريكية.
وقد تمكنت هذه السياسات والبرامج من فرض أهدافها الاقتصادية الاستغلالية، إلى جانب تحقيق أهدافها السياسية عبر الخضوع لشروط المشروع الأميركي، بفرض قيود للتحركات السياسية المناهضة لهذا المشروع، إلى جانب الانهيار الاقتصادي والاجتماعي الداخلي وانتشار مظاهر الفقر والبطالة للسواد الأعظم من أبناء الشعب، ما وفر السبل والمقومات لنمو وتطور الفئات البيروقراطية والطفيلية بوتائر متطابقة مع شروط العولمة الجديدة من جهة، وساهم في انتشار وسيادة مؤشرات الإحباط والخضوع والميل نحو الاستسلام من جهة أخرى.
لقد سعت “الليبرالية الجديدة” إلى تفكيك ما تبقى من أواصر الأمة باسم الفردية أو الخصخصة، بما يعزز تراخي دور الدولة وتراجع سيادتها السياسية كنتاج طبيعي لتراجع سيادتها الاقتصادية بالدرجة الأولى، بما يتفق مع مصالح البورجوازية الطفيلية والرأسمالية التي تشكل اليوم أهم التعبيرات السياسية لهذا التحالف المعولم.
“فالليبرالية الحديثة” تسوق التوجهات الأمريكية من أجل الهيمنة على الشعوب، فتستخدم حقوق الإنسان وشعارات الديمقراطية كذريعة لشن الحروب، وتختبئ خلف ادعاءات وأضاليل إعلامية مثل الحريات والتحرر لتحقيق غايات استعمارية احتلالية للمجتمعات بهدف الهيمنة والسيطرة على فكرها ونشر ثقافة الاستسلام والخضوع بين أفرادها، كي تقبل بالأمر الواقع الأمريكي الغربي المفروض عليها، بما يحطم بنية المجتمع ويطمس هويته ويلفه بغطاء الليبرالية الجديدة وشعاراتها البراقة التي يراد بها باطل.
إن العولمة بلبوس “الليبرالية الجديدة”، بمثل ما أدت إلى عولمة التحديات، فإنها قد تعزز ما يمكن أن يسمى بعولمة الاستسلام في بلدان العالم الثالث عموماً، والمؤشرات على ذلك كثيرة في أوضاعنا الحالية.
وفي هذا السياق، فإن ظاهرة الإحباط أو الميل للاستسلام والخضوع لم تكن وليدة المصادفة، بل كانت – ومازالت – هدفاً أساسياً من أهداف برامج التثبيت والتكييف الهيكلي أو الخصخصة التي فرضها النظام الرأسمالي المعولم عبر البنك والصندوق الدوليين على البلدان الفقيرة، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي مباشرة، لاستكمال إخضاع هذه البلدان وبيع موجوداتها وأملاكها العامة (القطاع العام) إلى القطاع الخاص المحلي والأجنبي دون أي تمييز.
لذلك تبرز هنا الدعوة إلى مقاومة عولمة الاستسلام، التي تمثل أحد أبرز عناوين الصراع والتحديات الراهنة من أجل التحرر والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وأن أحد أهم شروط التصدي لهذا التحدي هو امتلاك ناصية المعرفة وتقنيات العصر ومعلوماته وفق مفاهيم العقل والعلم والحداثة، في إطار أيديولوجي تقدمي ينتمي إلى الواقع العربي ويتفاعل معه ويعبر عنه في الممارسة العملية.
ويتحمل المثقف التقدمي الملتزم بقضايا وطنه وأمته مهمة ومسؤولية كبيرة، إذ أنه في ظل استفحال التخلف وعدم تبلور الحامل الاجتماعي الطبقي النقيض للعولمة وتأثيرها المدمر، لا خيار أمام المثقف العربي سوى أن يتحمل مسؤوليته بما يعزز دور القوى المجتمعية والسياسية والأطر التقدمية شريطة أن تتخطى شروط أزمتها الذاتية، وأن تخرج من حالة الفوضى والتشتت الفكري والسياسي والتنظيمي الذي يكاد يصل إلى درجة الغربة عن الواقع عبر التوجهات الليبرالية الهابطة أو العدمية التائهة.

آخر الأخبار
تفقد معبر العريضة بعد تعرضه لعدوان إسرائيلي الرئيس الأسد يصدر قانوناً بإحداث جامعة “اللاهوت المسيحي والدراسات الدينية والفلسفية” مرسوم بتحديد الـ 21 من كانون الأول القادم موعداً لإجراء انتخابات تشريعية لمقعد شاغر في دائرة دمشق الرئيس الأسد يصدر قانون إحداث وزارة “التربية والتعليم” تحل بدلاً من الوزارة المحدثة عام 1944 هل ثمة وجه لاستنجاد نتنياهو بـ "دريفوس"؟ القوات الروسية تدمر معقلاً أوكرانياً في دونيتسك وتسقط 39 مسيرة الاستخبارات الروسية: الأنغلوسكسونيون يدفعون كييف للإرهاب النووي ناريشكين: قاعدة التنف تحولت إلى مصنع لإنتاج المسلحين الخاضعين للغرب الصين رداً على تهديدات ترامب: لا يوجد رابح في الحروب التجارية "ذا انترسبت": يجب محاكمة الولايات المتحدة على جرائمها أفضل عرض سريري بمؤتمر الجمعية الأمريكية للقدم السكرية في لوس أنجلوس لمستشفى دمشق الوزير المنجد: قانون التجارة الداخلية نقطة الانطلاق لتعديل بقية القوانين 7455 طناً الأقطان المستلمة  في محلجي العاصي ومحردة هطولات مطرية متفرقة في أغلب المحافظات إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم السوداني يعلن النتائج الأولية للتعداد العام للسكان في العراق المتحدث باسم الجنائية الدولية: ضرورة تعاون الدول الأعضاء بشأن اعتقال نتنياهو وغالانت 16 قتيلاً جراء الفيضانات والانهيارات الأرضية في سومطرة الأندونيسية الدفاعات الجوية الروسية تسقط 23 مسيرة أوكرانية