الثورة أون لاين -سلام الفاضل:
لعل المتابع لجهود المحدثين المعنيين بتراثنا عامة، وفي مختلف علوم العربية خاصة يلاحظ أن غير قليل من هذه الجهود يفتقر إلى شيء من الموضوعية، والتفكير العلمي الحق والنقد الموضوعي البنّاء الذي يساعد على تسمية الأشياء بمسمياتها، ذلك أن الدوافع الأساسية لهذه الجهود لم تكن دائماً ذات صبغة علمية خالصة، غايتها الوقوف على الحقيقة، بقدر ما كانت محكومة بالاستثمار في التراث، أو بمنطق أيديولوجي ذي أسس عقديّة أو قومية. وإن كان ما يراه البعض صواباً في أن تراثنا اللغوي عامة فكر وظيفي، فإن من الصواب أيضاً أن النظرية النحوية العربية محكومة بأصول صناعية عقلية، أساسها نظرية العامل شحنت هذا الفكر بغير قليل من التصورات الذهنية والممارسات التطبيقية التي لا تهدف إلى الكشف عن المعنى بقدر ما تحرص على صيانة أو حصانة المقولات التي بنى عليها النحاة مقولاتهم النحوية. والكتيب الصادر مؤخراً ضمن سلسلة “قضايا لغوية” عن الهيئة العامة السورية للكتاب تحت عنوان (المعنى في النحو العربي… بين الوفاء لوظيفة اللغة وإكراهات الصنعة النحوية)، وهو من تأليف د. محمد عبدو فلفل، يسعى إلى تقديم توضيح لحقيقة أن الحرص على كشف المعنى في ممارسات القدماء زُوحم بحرص على صيانة أو حصانة مقولاتهم وتصوراتهم الذهنية، ولاسيما أصولهم العاملية التي يمكن في أحسن الأحوال أن يوصف بعضها بأنه فائض معرفي يحسن التخفف منه إذا ما أردنا للوظيفة النحوية العربية أن تكون نظرية وظيفية، هدفها الأساسي توضيح المعنى والكشف عنه. يقع هذا الكتيب في عدد من الأبواب التي تُعنى ببيان منزلة المعنى في النظرية النحوية العربية، وقد مهد البحث لذلك ببيان أمرين، أولهما أن اللغة عند العديد من المعنيين ليست هي الوسيلة العلامية المثالية في التعبير عن الأشياء المادية والمعنوية، وثانيهما أن مفهوم مصطلح المعنى هو مفهوم مختلف في تحديده عند علماء مختلف العلوم التي عنيت به. ووقف عند فيض من الدراسات العربية الحديثة التي عنيت ببيان منزلة المعنى في النظرية النحوية، ولاحظ أن هذه الدراسات يمكن حصرها في ثلاثة توجهات، أولها عاب على النحو العربي ما رأى فيه من قصور في دراسة المعنى، فوضح معالم هذا القصور، بل عمل بعضهم على استدراكه، وثانيها راض بما في هذا النحو من عناية بالمعنى، فعمل على إظهار معالم عنايته به، راداً على من عاب على نحونا ذلك القصور، وثالثها أن للمعنى حضوراً أو أثراً لا ينكر في تحديد معالم أو مفاصل النظرية النحوية العربية. نظرية العامل كما تلمس هذا الكتيب أيضاً معالم ذلك في مكونات أساسية من مكونات النظرية النحوية العربية، وهي الضوابط الناظمة لبعض مقولات النحاة، ولاسيما نظرية العامل، وما ترتب على التمسك بهذه الضوابط من خروج عن الجادة في التعليل والتأويل، والتحليل الإعرابي، وحرص على بيان ما في هذه المكونات الأساسية من مقولات نظرية، وتطبيقات عملية تضيّق على المعنى، ولا تخدمه في شيء. ومن الجدير ذكره ختاماً أن هذا الكتيب يقع في 119 صفحة من القطع المتوسط.