الثورة أون لاين – فاتن أحمد دعبول:
يأخذنا معه إلى عوالم لا تنتهي من الخيال، ويجوب في دوائر حياتنا ليعرضها لنا حية طازجة على خشباته السحرية.
قيل عن أهميته الكثير، وخصوصاً في وقتنا الراهن وهو الوافد إلينا من عصور وحقب زمنية قديمة، ليحط رحاله بين ظهرانينا، ويصبح مالئ الدنيا وشاغل الناس، ويتلقفه المسرحيون
تأليفاً وإخراجاً وعروضاً تحكي واقعنا وتصب في قضايا هي وجع الناس، آلامهم وأحلامهم.
فكيف تناول المسرحيون في بلادنا الوضع الراهن وما خلفته الحرب من أزمات، وكيف يواجهون التحديات التي تقف عائقاً في النهوض بالعمل المسرحي؟
عماد جلول.. نحتاج تطويراً إدارياً
لا شك أن الأزمة في سورية امتدت لتشمل مناحي الحياة كافة، ولم تكن الأعمال الفنية بعيدة عن تبعاتها لأنها تشكل جزءاً من المنظومة الحياتية..
ويضيف عماد جلول مدير المسارح والموسيقا أن ما قدم من نصوص أثناء الحرب على سورية لم يواكب الطموح المطلوب، فلم تصل إلى درجة النضج والوعي بأسباب الأزمة ونتائجها وتجلياتها وانعكاساتها الاجتماعية والحياتية.
وفي مديرية المسارح والموسيقا، تلقينا العديد من النصوص المسرحية، ومن خلال وجودنا بلجنة القراءة لاحظنا أن العديد من هذه النصوص لامست الأزمة بشكل سطحي جداً، والبعض الآخر لامسها بمفهوم ضيق وأخذ جانباً واحداً من جوانب الأزمة، وربما هذا شأن طبيعي بسبب هول المفاجأة التي جعلت التخبط هو السمة التي ظهرت على الأعمال.
ولكن رغم ذلك فقد قدمنا العديد من الأعمال المسرحية التي تحدثت عن الأزمة والوطن وأهمية الذود عن الأرض والوطن، وعرضت المسرحيات معاناة الأسر والأم السورية والكثير من القضايا الهامة من مثل أعمال المخرج مأمون الخطيب، أيمن زيدان، غسان مسعود.
ولا شك أن النصوص كانت بعد انتهاء الأزمة أكثر نضجاً ووعياً، ولكن ما أتمناه ألا نكرس أعمال الحرب والأزمة، بل نسعى للانطلاق من جديد بأعمال تناسب الوضع السوري وتناول موضوعات تلبي المتعة وتحقيق الفائدة التي هي الهدف المنشود من أي عرض مسرحي.
وعن الصعوبات يقول جلول: أهمها ساعات العمل الطويلة ونقص الكوادر الفنية والتقنية وخصوصاً بعد تسرب العديد منهم في هذه المرحلة، رغم أن سورية فيها خزان من الثقافة والمعرفة، والمعهد العالي يرفد المديرية بالكثير من خريجيه، ولكن لا شك نحتاج خبرات وتمرس بالعمل.
وربما الأهم من هذا كله الحاجة إلى التطوير الإداري والهيكلية الإدارية لعمل مديرية المسارح والموسيقا، ونسعى اليوم إلى هيئة عامة للمسارح والموسيقا ليتاح لنا النهوض بالمسارح القومية بالمسارح السورية كافة كما يتاح لنا التشاركية مع القطاع الخاص لنخوض ميدان المنافسة مع الدول في الإنتاج المسرحي السوري.
جوان جان.. الدعم المادي أولاً
لم يكن انعكاس الحرب على النص المسرحي في السنوات الأولى للحرب واضحاً ربما بسبب المفاجأة التي شكلتها الحرب بالنسبة للسوريين كافة ومن ضمنهم الكتاب المسرحيون، كما بين جوان جان رئيس تحرير مجلة الحياة المسرحية.
وأضاف: ولكن في السنوات التالية حاول الكتاب ملامسة موضوع الحرب بأكثر من أسلوب، فمنهم من لجأ إلى الأسلوب المباشر وتسمية الأشياء بمسمياتها، ومنهم من لجأ إلى أسلوب غير مباشر من خلال الإسقاط على الواقع بشكل ترميزي، ونسبة كبيرة من النصوص المسرحية السورية التي عالجت موضوع الحرب على سورية وقعت في مطب فكري من خلال تجسيدها لواقع الحال كصراع بين طرفين يمتلك كل منهم مشروعية مواقفه وسلوكه تجاه الطرف الآخر، وهذه نظرة سطحية لواقع الأمر الذي هو أعمق من كونه صراعاً بين طرفين.
أما الصعوبات فهي الصعوبات الدائمة التي يتحدث عنها المسرحيون منذ عشرات السنوات، وتتعلق بالعنصر المادي بالدرجة الأولى، إضافة إلى عناصر قد تكون مستجدة ومنها صعوبة جمع عدد كبير من الممثلين ضمن عمل واحد، ما يدفع للجوء إلى الأعمال المسرحية ذات الشخصيات القليلة.
وثمة صعوبات على صعيد عدم توفر الفضاءات المسرحية المطلوبة والتي تتناسب مع العدد الكبير من المسرحيين الراغبين بممارسة العمل المسرحي.
مأمون الخطيب.. تكريس أهمية المسرح
ويرى المخرج مأمون الخطيب أنه في فترة الأزمة السورية الراهنة حاولت بعض النصوص المسرحية المقدمة على خشبات المسارح مواكبة الواقع السوري الراهن عن طريق انعكاس الأزمة على النفس البشرية السورية من خلال نصوص تقارب الواقع الراهن الحرب وأثرها على الإنسان.
وتعاملت هذه النصوص مع الراهن كأسلوب لتصوير الحدث حسب رؤية هذا المخرج أو ذاك، رغم قلة النصوص المسرحية الجيدة التي واكبت الراهن، إلا أن بعض المخرجين استطاع تأكيد انتمائه للواقع عن طريق خلق نصوص تحاكي الراهن، ولكن لم نر كتّاباً مسرحيين يحاولون عكس الأزمة كما ينبغي في نصوصهم المسرحية إلا فيما ندر.
ولا شك تواجه المسرح صعوبات وأهمها قلة المؤمنين به وبقدرته على التأثير في المجتمع المدني الحديث.
وربما أصبحت التحديات أكبر جراء الظرف الصحي الطارئ على جميع الدول، حيث أصبح وجود المسرح مهدداً بشكل أكبر بسبب الخوف من المرض وخصوصاً أنه فن جماعي وحضوره جماعي ما يشكل بعض الخطر الصحي.
وفيما يخص التحديات فهي الأزلية من قدم القوانين وقلة الإمكانات المادية غير المغرية للعمل في هذا الفن.
ويضاف إلى ذلك عدم الاهتمام بالعامل التقني والمعماري المسارح، حيث نجد قلة المسارح في سورية وتهتك منظومتها المعمارية.
ولا يمكن تجاهل نظرة الفنانين أنفسهم إلى هذا الفن الخالد، حيث أنه لا يشكل أي هاجس إبداعي إلا فيما ندر، وأقصد بالفنانين المخرجين والممثلين والكتّاب، أي أنهم ينظرون إلى الجدوى المادية أكثر من الجدوى الإبداعية المستدامة لهذا الفن.
والحلول كما يطرحها الخطيب تكمن في عودة أهل المسرح للمسرح وهو الحل الكفيل بتجاوز الصعوبات ومواجهة التحديات، وأيضاً إعادة نظرة المعنيين بالمسرح إلى أهميته، والعمل على خلق الهاجس الإبداعي لدى الفئات العاملة في هذا الفن.