الثورة أون لاين – ترجمة وإعداد أمل سليمان معروف:
في مقال حديث نشرته مجلة “نيوز لاينز” يحاول السفير الأميركي السابق في سورية روبرت فورد تبييض صفحة بلاده الإرهابية في سورية، فيتحدث تارة عن الطرق التي أخطأت فيها ما يسميها ب”المعارضة” و”الثورة” في سورية، وتارة يزعم أن المتطرفين تمكنوا من “اختطافها”.
يقول فورد إنه بحلول أواخر عام 2015 كانت الجماعات المتطرفة قد ثبتت أجندات طائفية، ورفضت المفاوضات السياسية بمساعدة تركيا وقطر وغيرهما، وأنه طالب بتسليح ما سماهم ب”المعارضة المعتدلة” متمثلة بما يسمى “الجيش الحر” زاعماً أن رفض تسليحهم كان السبب في صعود “القاعدة” في المنطقة، مع أن السلاح الأميركي كان يصل لجميع هذه الجماعات التي تسميها واشنطن معتدلة والتي تسميها متطرفة.
وقد سبق أن دحض موقع “انتي وور” الأميركي مثل هذه الادعاءات بسوق عدد من الحجج ليثبت بطلان ادعاءات فورد وغيرها، ونورد بعضاً منها:
أولاً – لعب السلفيون دوراً رئيسياً في الأحداث الأولى ونظم “الإخوان المسلمون” حركة الأحداث المبكرة عبر الفيسبوك، وكانت شعارات التحرك الأولى التي أطلقوها ضد الحكومة السورية مصحوبة بشعارات طائفية، بما في ذلك مطالب بقتل وطرد الأقليات.
ثانياً – ما سمي ب”الجيش السوري الحر” لم يكن معتدلاً كما زعم فورد، إذ سيطرت عليه الميليشيات السلفية منذ البداية، بما في ذلك ما سمي بكتائب “الفاروق ولواء الإسلام وصقور الشام ولواء التوحيد”، بل إنهم سعوا إلى استخدام العنف لتأسيس دولة دينية متطرفة، وكان المراقبون الغربيون يروجون أن جماعات “الحر” ذات التوجه السلفي معتدلة وأنها لا تنوي تنفيذ هجمات ضد أهداف غربية، ومع ذلك، لم يكونوا معتدلين فقد عادوا معظم السوريين.
ثالثاً – في مقالته زعم السفير فورد أن الضابط المنشق “العكيدي” على وجه التحديد كان معتدلاً، ولم يذكر أنه كان هو نفسه قائداً لإحدى الميليشيات السلفية، وهي لواء التوحيد في حلب.
رابعاً – كانت هذه المجموعات المسلحة من “الجيش الحر” ومقاتليه تتعاون بشكل وثيق مع القاعدة خلال الوقت الذي دعا فيه فورد لتسليحهم بأسلحة متطورة، وفي كانون الأول 2012، اعترفت صحفية “تايم” من خلال رانيا أبو زيد بأن الجماعات الجهادية كانت جزءاً من هذه الفصائل المسلحة.
وعندما كتب السفير فورد في مقاله: “قررنا وضع “النصرة” على قائمة الإرهاب الأميركية في كانون الأول 2012 لتتجنبها “المعارضة السياسية” وتدينها” إلا أن المعارضين فعلوا العكس تماماً، وقد أشادوا علانية بالنصرة، واحتجوا لوضعها على قائمة الإرهاب.
خامساً – اعترف أحد قادة النصرة في حلب بالقتال في صفوف لواء التوحيد مباشرة، وفي نفس الشهر لاحظ مراسلون من “الغارديان” وجود مقاتلين من دول أخرى من العالم الإسلامي يقاتلون في حلب، بما في ذلك السعودية وباكستان والجزائر والسنغال، ما يشير إلى دور النصرة في الغزو الأولي للمدينة إلى جانب التوحيد.
سادساً – انضم مقاتلو “داعش” إلى “الجيش الحر” في محاصرة مطار “منغ” مع النصرة، حيث صمد الجنود السوريون الحكوميون لمدة عام تقريباً ضد الحصار، وذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن العكيدي ظهر في شريط فيديو وهنأ مقاتلي “داعش” الذين شاركوا في الحملة، ويذكر السفير فورد بنفسه هذا الفيديو في مقالته، ويكتب: “ذات صباح في أوائل آب 2013 أتيت إلى المكتب في وزارة الخارجية لأرى تقارير تفيد بأن “منغ” قد سقطت أخيراً وتم تصوير العكيدي يقف بجانب القائد الميداني لداعش.” وأقر العكيدي أن “علاقته بداعش علاقة أخوة، وكان ظهور فيديو العكيدي وقائد داعش يحتفلان، على حد تعبير صحيفة نيويورك تايمز، “كأعضاء فريق كرة سلة منتصر”، وهذا أحرج السفير فورد وإدارة أوباما على حد زعم السفير.
سابعاً – ومن الملاحظ أن فورد التقى العكيدي لأول مرة في فندق بتركيا في آذار 2013، قبل حوالي أربعة أشهر من الاستيلاء على “منغ”، ولم يقدم فورد أي مؤشر على أنه اشتكى إلى العكيدي من تعاونه مع النصرة خلال هذا الاجتماع، أو خلال اجتماعهما اللاحق في أيار 2013 على الحدود التركية السورية، واشتكى فورد فقط من تعاونه مع المسلحين التابعين للقاعدة بعد أن ثبت أن مقطع الفيديو الذي يظهر فيه يشكر علانية متزعم داعش وهذا ما أحرج إدارة أوباما.
بحلول ذلك الوقت، كان العكيدي ومقاتلوه ينسقون مع النصرة في حلب لمدة عام على الأقل، وكانت هذه معلومات عامة لأي شخص يقرأ الصحف العربية الموالية للمعارضة، أو حتى الغارديان أو واشنطن بوست.
وقد اعترفت هيلاري كلينتون سراً في شباط 2012 أن “القاعدة في صفنا في سورية”، ما يدل على أن مسؤولي وزارة الخارجية كانوا على دراية كاملة بأن “النصرة والحر” يقاتلان كجزء من فريق واحد.
ثامناً – ذكرت قناة الجزيرة في تموز 2013 أنه بحسب متزعم “داعش” في محافظة حلب في ذلك الوقت ويدعى “أبو أثير” أنه قال: “نحن نشتري أسلحة من الجيش الحر”، ووفقًا لتقارير “لوس أنجلوس تايمز”، تم توفير صواريخ كونكورس لمجموعات “الجيش الحر” عبر الحلفاء الإقليميين لوكالة المخابرات المركزية، بينما قام ضباط وكالة المخابرات المركزية بتدريب مقاتلي هذه الجماعة على استخدام هذه الأسلحة في الأردن وتركيا اعتباراً من تشرين الثاني 2012.
تاسعاً – في تشرين الأول 2014، ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن شافي العجمي، وهو جامع تبرعات من النصرة، قال لقناة إخبارية سعودية: “عندما تبيع المجالس العسكرية الأسلحة التي تحصل عليها، خمن من يشتريها؟ إنه أنا”.
عاشراً – عندما ادعى فورد لاحقًا أنه شجع “المعارضة” منذ فترة طويلة على تجنب العنف والدخول في حوار مع الحكومة السورية لحل الأزمة، طعن أشخاص في المعارضة علانية في ادعاء فورد، حيث ذكّر “برنارد” من “مون أوف ألاباما”، بتذكير الناشط السوري المعارض “الرفاعي” للسفير فورد خلال حوار على تويتر قائلاً: “رحلتك إلى حماة واجتماعاتك مع المالكي كانت عن السلام؟ هل تهين ذكائي؟ عندما علمت أن مناف طلاس أو رياض حجاب على وشك الانشقاق، هل حثثتهم على الحوار بدلاً من ذلك؟ وقد نصحت نبيل المالح وميشيل كيلو وفايز سارة بعدم الحوار، هل تريد من السفير البلغاري أن ينعش ذاكرتك؟ كان الجميع هناك عندما نصحت المعارضة بعدم الحوار، لقد كنت تعطينا محاضرات حول مدى أهمية القيام بجولة في الاتحاد الأوروبي والضغط، والاستفادة من قطع العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وسورية”.
وفيما يتعلق باجتماع فورد في أيار 2013 سأل الرفاعي فورد بسخرية، “في ملاحظة أخرى: لماذا قدمت مساعدات للمسلحين؟ وعندما ذهبت إلى الحدود السورية مع تركيا للقائهم، هل كنت تحثهم أيضا على الحوار؟”.
أحد عشر – بعد سنوات، وفي عام 2017 ذكر “ديفيد إغناتيوس” أن برنامج وكالة المخابرات المركزية، المعروف باسم Timber Sycamore، وهو برنامج سري لتوريد الأسلحة والتدريب تديره وكالة المخابرات المركزية الأميركية (CIA) وبدعم من بعض أجهزة المخابرات العربية، مثل جهاز الأمن السعودي، بدأ في 2012 أو 2013، وقدم المال والأسلحة والتدريب لمسلحين يقاتلون الحكومة السورية، ووفقًا لمسؤولين أميركيين، كان البرنامج يديره قسم الأنشطة الخاصة في وكالة المخابرات المركزية ودرب الآلاف من المسلحين، إذ سمح الرئيس باراك أوباما سراً لوكالة المخابرات المركزية بالبدء بتسليح الميليشيات في سورية في عام 2013 وضخ مئات الملايين من الدولارات لعشرات الميليشيات في سورية، لم يكن البرنامج مكلفًا فحسب، بل كان مدمراً.
وتشير رويترز كذلك إلى أن متزعمي المسلحين الذين اتصلت بهم كانوا يرسلون الطلبات إلى قطر أو السعودية، وأن الأسلحة يتم شراؤها بشكل أساسي من أوروبا الشرقية من قبل سماسرة أسلحة في بريطانيا وفرنسا، ويتم نقلها جواً من قطر إلى أنقرة ثم نقلها بالشاحنات إلى سورية، وعندما ينتهي أمر الأسلحة الأميركية في أيدي القاعدة خلال السنة الأولى أو الثانية من الصراع، يفترض المرء أخطاء بسيطة في الحكم، ولكن عندما تستمر المشكلة بعد سبع سنوات، يصبح أكيداً أن هناك سياسة مطبقة للنظر في الاتجاه الآخر.
استنتاج..
حاولت الحملة الدعائية الواسعة التي قادتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وصف الحرب في سورية على أنها انتفاضة شعبية يقودها متمردون معتدلون ضد الدكتاتورية، ومع ذلك ظهرت تصدعات في الرواية مع مرور الوقت، حيث أصبحت طبيعة الجماعات المسلحة التي تقاتل بمساعدة الولايات المتحدة ضد الحكومة السورية معروفة على نطاق واسع، وبدأ المزيد والمزيد من المراقبين يدركون، كما أشار الأكاديمي تيم أندرسون، أن الحرب في سورية لم تكن ثورة شعبية بل حرب قذرة ضد الحكومة السورية، التي خاضتها الميليشيات السلفية التي تعمل كوكلاء للولايات المتحدة.. وها هو اليوم السفير فورد يحاول مرة أخرى تبييض دور إدارة أوباما ووكالة الاستخبارات المركزية في تدمير الدولة السورية، وبالتالي التنصل من تحمل مسؤولية المعاناة والموت التي لا يمكن تصورها والتي عانى منها السوريون