لم يكن من السهل على الإنسان أن يدجن الحيوانات ولاسيما التي تنفر منه وتذهب بعيداً فكان أن عمل على ابتكار أدوات تجعلها تصدر صوتاً حين تهرب يدل عليها ..وكان جرس القطيع المعلق برأس الكبش واحداً منها.
وما جرى تطبيقه على القطيع الحيواني نقله الغرب إلى قطيع حيونة الإنسان بدءاً من السلاسل والقيود بأيدي وأرجل من يقولون إنهم مجرمون ..إلى أن وصل الأمر قبل الثورة التقنية الرقمية بوضع لصاقة الكترونية ترسل إشارات حول مكان شخص ما ..طبعا ليس أي شخص إننا من يوضع تحت المراقبة..
وكما توضع أيضاً في أجنحة الطيور المهاجرة التي يتم تعقبها ..
المفارقة في الأمر أنها مع الطيور و الحيوانات لحمايتها ومع الإنسان لحيونته ..
ومع فورة الإنترنت والفضاء الأزرق اختفت اللصاقات من الأيدي والأرجل لتكون ليس عند المطلوبين الخطرين بل لتصبح في عقل وبيت وحول ومع كل إنسان تماماً ..
صحيح أن العالم أصبح قرية صغيرة بفعل التطور التقني لكن الاكثر صحة أنه صار سجناً كبيراً دون سجان قريب …السجان أنت نفسك ..محمولك ..هاتفك دارة البث الرقمي ..
نحن في العراء الكوني والقيمي والأخلاقي..لاشيء خصوصياً ..كل سكناتك وحركاتك مرصودة مؤرشفة لحين حاجتها ..نحن في هذا السجل مجرد هباب يحتاج ألف مكبر حتى يظهر لكنه لديهم بضغطة زر يظهر ..هذا السجن الكبير والجرس المعلق بعقولنا ليس لحمايتنا كما القطيع الأبقار أو غيرها ..بل ليقودنا إلى المسلخ المعد لنا، الشتات القيمي والمجتمعي ولنغدو بيانات وأرقاماً في دراسات الجدوى الاقتصادية وتوجه الشركات..
ألم يقل أحد المديرين التنفيذيين لغوغل ايريك شميل: إن البيانات هي بترول العصر الحديث ..ويضيف في مكان آخر.. أن البيانات التي التي ندلي بها يمكن أن تسهل مراقبتنا وأن تجعل منا أناساً شفافين كأننا من زجاج …وحسب شميت أيضاً..فإن الإنترنت أكبر تجربة فوضوية عرفها التاريخ.
نعم تجربة فوضوية لنا وبنا ومعنا وليس من يقود قطيعنا ويضع أجراسنا.
ولعل أكثر ما قاله شميت وضوحاً وعمقاً هو ..(إننا نعلم أين أنت الآن.. إننا نعلم أين كنت وإلى أي حد نحن نعلم بماذا تفكر حالياً ..).
هل ابعد من ذلك أنقياد القطيع الرقمي المدجج بكل وسائل الاستلاب …كيف يعمل غوغل وكيف يدير البيانات هذا له وقفة أخرى..
معاً على الطريق- ديب علي حسن ..