الحضارةُ العربيّة والمشروع النهضويّ

 

الملحق الثقافي:حبيب الإبراهيم:

ارتبط قيام الحضارة العربية منذ القدم، بعواملٍ طبيعية وجغرافية وسياسية واجتماعية، وغير ذلك مما جعلها في مقدّمة الحضارات، تأثيراً وحضوراً وتفاعلاً في مختلف الميادين، وكان العرب أول من حمل لواء هذه الحضارة، التي نقلوها إلى شتى بقاع الدنيا، فلقد كانت الحضارة العربيّة، من أكثر الحضارات التي عرفها التاريخ، عراقةً وغنى، تفاعلاً وحيوية، تأثيراً وتنوّعاً، وقد استمرّت حيويّتها، وتفاعلها مع غيرها من الحضارات، إلى أن باتت أكثر إبداعاً وانتشاراً وتأثيراً، وكان فيها عنصرين أساسيين، هما سبب قوتها وديمومتها: العروبة والإسلام، فالعروبة هي الإطار والرابط المتين الذي يجمع أبناء الامة العربية الذين يعيشون على أرض واحدة، ويتكلمون لغة واحدة، ولهم تاريخٌ مشترك، وأحلامٌ وتطلعات مشتركة.
لقد حمل أبناء هذه الأمة رسالة حضارية، إنسانية، عقلية، قدّمت عُصارة فكرها للبشرية. قدمت إنجازات متميزة في الأدب والفن والعمارة، ومختلف صنوف المعرفة والإبداع.
والإسلام دينٌ سمح، قائم على التسامح والمحبة والإخاء، حيث وصلت رسالته الإنسانية شرقاً إلى الصين، وغرباً إلى الأندلس، وترك إرثاً حضارياً، كان له الدور الأهم في النهضة الأوروبية، إلا أن بعض الغلاة والمتعصّبين، أرادوا الإساءة له ولرسالته الإنسانية، عندما عملوا بأجندات غربية استعمارية، لتشويه هذه الصورة، وإلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام والعرب، وانضووا تحت مسمّيات عديدة لنشر الفكر الظلامي الإرهابي، القائم على القتل والتخريب، وتدمير الدول الوطنية، وضرب استقرارها تحت ذرائع ما سمّي بـ «الثورات العربية» و «الربيع العربي» ونشر «الديمقراطية» و….
إن شعلة الإبداع الحضاري التنويري، بقيت مشعّة تعطي بلا حدود، وتقدم عصارة منجزها فكراً وفناً وآداباً، لكن ثمّة معوقات واجهت الأمة العربية خلال مراحل مختلفة من تطورها وسيرورتها الزمنية، وحالت دون نهوضها ووصولها إلى مصاف الدول المتقدمة، التي انتهجت طرقاً علمية وعملية، أوصلتها إلى القمة، وجعلتها في مصاف الدول الصناعية الكبرى، ويأتي في مقدمة هذه المعوقات، التخلف الذي عاشته البلاد العربية كنتيجة حتمية للاستعمار، بكافة أشكاله ومسمّياته، وهيمنة الدول الكبرى، وتحكّمها بمصير الدول الصغيرة، والتبعية الاقتصادية والسياسية، وانتشار الأميّة والجهل، وغياب مراكز البحث العلمي، والاعتماد على الاستيراد في تأمين حاجات البلاد، وغياب روح المبادرة، واتّباع الأساليب التقليدية البعيدة عن الروح العلمية.
إن نهضة أي مجتمع وتطوره، وبناء مشروعه النهضوي الحديث، يقوم بالدرجة الأولى على تطوير التعليم، وتعزيز دور المعلم والتوسع في استخدام التكنولوجيا والوسائل التقنية الحديثة، وتطوير الصناعات المختلفة، واستثمار الموارد المادية والبشرية بأقصى طاقة، وتوظيفها في عملية التنمية المستدامة، وصولاً إلى أعلى درجات النمو الاقتصادي والاجتماعي..
أما عن الإخفاقات التي أصابت المشروع النهضوي الحديث في الوطن العربي، فتعود بالدرجة الأولى، إلى وجودِ قوى داخلية ضمن المجتمع، تحارب بكلّ إمكاناتها لإفشال وإجهاض أي مشروعٍ عربيٍّ نهضويّ، وتضع العراقيل أمام أيّ انطلاقةٍ حديثة لإعادة بناء الذات، وفق أسس علمية، تعتمد العلم، والبحث العلمي منهجاً وسبيلاً لأيِّ تطوير داخلي.
إن انتكاس وتراجع المشروع النهضوي العربي، يعود في أحد أسبابه، إلى تناقض الخطاب النهضوي وتأزّمه أحياناً، مما أدى لحدوث التدخل الخارجي، والهيمنة الاستعمارية على المنطقة العربية، واستنزاف خيراتها ومواردها، وبثِّ روح الفتنة بين شعوبها، وهو ما كان سبباً، في قيام إشكالات ومنازعات، لا تزال آثارها ماثلة حتى الآن، إضافة إلى الهوّة والفجوة الواسعة بين الواقع والممارسة، بحيث تحوّل المشروع النهضويّ، إلى تنظيرٍ وأقوال على الورق، وازدادت هذه الهوّة بظهور طبقات من الرأسمالية، وطبقاتٍ من الأثرياء، على حساب الجماهير الفقيرة والمسحوقة، التي تعمل ليل نهار، لتأمين قوت يومها.
عندما نجري مقارنة ومقاربة، بين الواقع العربي الذي يزداد تأخّراً وسوداوية، وتجارب بعض الدول الوليدة، مثل اليابان، ماليزيا، إيران…الدول التي استطاعت النهوض، وبناء قدراتها الذاتية، وتحولها إلى دول صناعية لها حضورها في المشهد العالمي، ندرك تماماً أن نجاح المشروع النهضوي العربي، يجب أن ينطلق كمشروع شامل، نابع من الإرادة الذاتية للوصول إلى الأهداف الاستراتيجية الكبرى، والعمل على بناء الدولة العربية القوية، والمجتمع الحديث، المجتمع المتنوِّر، النابذ لكلِّ العادات والتقاليد البالية، والناهض وفق أسسٍ علمية، معرفية، وطنية، يكون فيها الولاء للوطن، أولاً وأخيراً.

التاريخ: الثلاثاء13-4-2021

رقم العدد :1041

 

آخر الأخبار
الرئيس الشرع.. الاستثمار بوابة الإعمار واستقرار سوريا خيار ثابت المولدة تحرم أهالي "الصفلية " من المياه.. ووعود ! مسؤول العلاقات العامةلحملة "الوفاء لإدلب" يوضح لـ" الثورة" موعد الانطلاقة وأهدافها الرئيس الشرع : سوريا لا تقبل القسمة ولن نتنازل عن ذرة تراب واحدة الرئيس الشرع  يطرح رؤيةً لعهد جديد: سوريا في مرحلة مفصلية عنوانها بناء الدولة بأغلبية ساحقة.. الجمعية العامة تتبنى إعلاناً حول حل الدولتين توافق دولي في مجلس الأمن على دعم التعاون السوري – الدولي لإنهاء ملف الأسلحة الكيميائية اللجنة العليا للانتخابات: إغلاق باب الترشح وإعلان الأسماء الأولية قريباً الرئيس الشرع يستقبل الأدميرال تشارلز برادلي كوبر قائد القيادة المركزية الأمريكية دخول 31 شاحنة مساعدات إنسانية أردنية قطرية عبر مركز نصيب ترحيل القمامة والركام من شوارع طفس "التربية والتعليم": قبول شرطي للعائدين من الخارج وزيرة الشؤون الاجتماعية: مذكرة التفاهم مع الحبتور تستهدف ذوي الإعاقة وإصابات الحرب مهرجان «صنع في سوريا» في الزبداني… منصة لدعم المنتج المحلي وتخفيف الأعباء المعيشية خطوات صغيرة وأثر كبير.. أطفال المزة  ينشرون ثقافة النظافة محافظ حماة يفتتح "المضافة العربية" لتعزيز التواصل مع شيوخ القبائل   " التعاون الخليجي" يجدد إدانته للعدوان الإسرائيلي على الأراضي السورية  البرلمان الأوروبي يدين  منع "إسرائيل " المساعدات عن غزة ويدعو لفتح المعابر  تفاقم أزمة المواصلات في ريف القرداحة  منحة نفطية سعودية لسوريا… خطوة لتعزيز الاقتصاد والعلاقات الثنائية