ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحريرعلي قاسم:
نادرة هي الحالات التي تكون فيها التداعيات سابقة للنتائج، ونادرة هي الحسنات أو الميزات أو المكاسب التي ينطوي عليها إجهاض مؤتمر دولي أو ترحيله،
ونادرة هي المرات التي تبدو فيها كفّة التأجيل هي الراجحة في خدمة التحضير، وقد ذاب ثلج ما قبلها.. وبان مرج ما بعدها.
في لقاء جنيف التشاوري اجتمعت حسنات وحالات، وتكررت الميزات كلها تحت سقف واحد، وتلاقت تداعيات ما سبقه مع مفرزات ما تبعه، وتطابقت الاثنتان مع نتائج ما حصل في أروقته.
بين إشهار التحالفات والشراكات ومحاولات تبييض العمالة وصولاً إلى تبرير الخيانة، وبين المجاهرة بضفة التموضع وموقع التخندق واتجاه الجبهات، تخفت الفوارق وتقل الاختلافات إلى الحدّ الذي لم يعد فيه للغة موضع ولا موقع على معطيات تتبدّل وتتغيّر بنصوص وفق المطلوب وحسب الحاجة، وإن اقتضت التطورات المتسارعة في نهاية المطاف أن تسقط ورقة التوت الأخيرة، فيكون الإفصاح عن طاولة المؤتمر كافياً لفضح ما خفي ولو بقي بعده ما هو أعظم.
فالمشترك بين استقواء قادة الإرهابيين بقدرتهم على استقدام «الجهاديين» المرتزقة من أصقاع الأرض، وبين استرضاء بعضهم الآخر الطرف الإسرائيلي، ممهوراً بآيات الشكر والامتنان للمساعدات «الكبيرة» التي تقدمها للإرهابيين، والترجي بلغة التذلل بغية استمرارها وتوسيع نطاقها، يكاد يصل حدود التطابق، حين يقدّم الأول دليلاً قطعياً وقرينة دامغة على هوية من يقاتل الدولة السورية، فيما يحسم الثاني أي شك بهوية من يقف خلفه، وحدود التنسيق القائمة بين أعداء سورية على مستوياتها المختلفة من تمويل الإرهاب ومساعدة الإرهابيين إلى حماته في السياسة والإعلام ومنسقي أوراقه في الكواليس والأروقة العالمية.
فإذا كان التصريح العلني يشكل قرينة في العرف السياسي بأن المرتزقة القادمين من خلف الحدود هم الورقة التي يهدد فيها الإرهابيون، فإن اللقاء مع الإسرائيليين يمثل جريمة موصوفة، تلتقي فيها القوانين الوطنية مع الدولية، والوضعية مع الأخلاقية، لأن الخيانة لم تكن يوما وجهة نظر ولا هي فقط اختلاف في المقاربة أو تناقض في القراءة.
على هذه القاعدة يمكن رسم إحداثيات جديدة تحاكي الواقع القائم الذي يحزم حقائبه تمهيداً للاستحقاقات القادمة، حيث الطاولة وإن لم يجلس حولها المتحاورون أو المجتمعون، وفشل العرّابون والمتعهدون في تحديد موعد لذلك، فقد فردت ملفاتها، وأشهرت أوراقها، وأشعلت هواجس ومخاوف الكثيرين، ودفعت ببعضهم إلى التمترس خلف تخندقهم الأخير، وإن كانوا يدركون انه لا يغني ولا يسمن.
ووفق معاييرها يمكن الاستنتاج بأن من محاسن التعويل على المؤتمر الدولي أن تداعياته كانت سابقة لكل نتائجه، فماذا قدّم الحديث عن المؤتمر الدولي وما الأوراق التي احترقت قبل الوصول إليه بمجرد التلويح بإمكانية انعقاده، والأهم هل من مكاسب وحسنات فعلياً، لأنه لم يتم التوافق على موعد لانعقاده ؟!.
في النقطة الأولى أفصحت عن وجوه كانت تتلون حسب الظرف والمعطى، وأحياناً وفق الطلب والغاية، وفي الثانية أنه أماط اللثام عن الحجوم الحقيقية لما تمثله تلك الأصوات التي وظّفت طاقاتها للمنابر الإعلامية، والترويج للأكاذيب والفبركات والصورة الافتراضية الفاضحة، وفي الثالثة وضع الكثير من النقاط على الحروف، وما كان سرياً بات علنياً.
وتبقى النقطة الأهم من ذلك كله أنه فضح التحالفات والأحلاف، وعرّى الشركاء، وفرز بين الراغبين في الحلّ السياسي، وبين الرافضين له، من يؤمنون به فعلياً وعملياً، ومن يتخذونه ستاراً وقناعاً واقياً لمواجهة الحرج السياسي، فقد وضح حلف المعرقلين وثالوثه الإقليمي السعودي التركي الإسرائيلي الداعم للإرهاب، والإرهابيين وتنظيماتهم وحجومها وحيز من تبقى منها، والدول الغربية التي لم تعد قادرة على الدجل والنفاق في ثالوث الإرهاب ومكافحته والعلاقة معه.
من حسنات التلويح بترجيح عقد المؤتمر الدولي أنه أشهر الأوراق وفتح السقوف، لتظهر ما تحتها، ومن ميزات الترحيل أنه أفرغ ما في جوف الرافضين والمعرقلين ليكونوا عراة أمام الحقيقة بكل ما فيها من مرارة اليقين، بأن الخيانة لا تتجزأ.. ومصافحات الأروقة لا تختلف كثيراً عن ابتسامات الأضواء المصطنعة، وبأن العميل والمرتزق في السياسة والدبلوماسية يطابق المأجور في الإرهاب والمموّل له والحاضن والراعي، ويتساوى مع الخائن الذي لا يعدل في توصيفاته انعقاد مؤتمر دولي أو ترحيله، ولا يغيّر في الحكم عليه استقواؤه أو مجاهرته في العلاقة مع عدو كان وسيبقى التطابق معه في الأهداف والتلاقي في المصالح قرينة لا تموت بالتقادم!!
a.ka667@yahoo.com