ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم:
يسجل الفرنسي اليوم تبنيه لهواجس الإسرائيلي، وتعاطفه مع هلع السعودي في دفاتر جنيف، وعليها يحمل مخاوفهما ويبني مقارباته على تجنب احتمالات غضب نتنياهو وعتب بندر،
ويستنفر كل طاقاته لـ «يرتقي» في موقفه إلى ما يحاكي عوامل قلق الإسرائيلي التي أوجعت السعودي!! في محاولة لاسترجاع دوره الذي كان خلف عبور إسرائيل في الماضي إلى النادي النووي خلسة، ويتنطح ليكون ذراعها ومظلتها في الحاضر.
من بين الأوروبيين والأميركيين والروس والصينيين تقف المخاوف المنقولة فرنسياً حجر عثرة تُؤخر تصاعد الدخان الأبيض، ويُشارك البريطاني من خلف الكواليس وأحياناً إن اقتضت الضرورة من على الطاولة، فيما الأميركي يستعجل الخلاص من بوابة الاتفاق الذي يزيل عن كاهله وجعاً أرّقه على مدى ثلاثة عقود ونيف.
وإذا امتلكت أميركا الجرأة على تجاهل عوامل غضب نتنياهو والكثير من مظاهر استيائه ومضت دون أن تتوقف كثيراً عند هواجسه، فإن فرنسا لا تقوى على ذلك ولا طاقة لها به، وتحديداً الثنائي هولاند – فابيوس اللذان يدركان فضائل نتنياهو عليهما وعوامل الأمان السياسي والانتخابي التي يوفرها لهما.
ولا يخفى على الفرنسيين أن إغضاب نتنياهو هو الخط الأحمر الذي لا يمكن تخطيه، ولا طاقة لفابيوس على المغامرة بالاقتراب منه، ومن غير المسموح لهولاند أن يفكر في تجاوزه، لاعتبارات تتعلق بسياق المنتج السياسي الفرنسي القائم على فرضية الولاء لما تقتضيه المصالح الصهيونية، وأن يكون الوجه الجديد أوروبياً الذي يحلم أن يحتل بقامته موضع القدم الأميركية إذا ما شغرت.
المفارقة، أن الافتراق الأميركي الإسرائيلي الظاهر، والتباين مع السعودي مؤقتاً، لا يعني بأي حال تخلي واشنطن عن موقعها ولا دورها في تبني المصالح الإسرائيلية، مع الإبقاء على خدمة السعودي، فيما تتوهم فرنسا أن بمقدورها أن تقتنص موقعاً كاذباً وشكلياً، ما دامت هذه السحابة قائمة في سماء العلاقة بين الإدارة الأميركية ونتنياهو، ولم تفلح تطمينات أوباما في التخفيف منها، ولا تتردد باريس في منح السعودي «بدل نهاية الخدمة».
وإذا كان من المحسوم عملياً أن الاعتراض الإسرائيلي المدعوم خليجياً، سيتصاعد على خلفية التسخين السياسي المزدوج على جبهات عدة، ومن منطلق التحضير المسبق لجولة المجابهة القادمة، فإن المغالطة الفرنسية لا تكتفي بمعاكسة أجواء جنيف بل تمتد في سياق الرهان على ذلك التحالف ليكون المظلة والمتكأ على خلفية الامتعاض من سيناريو تقارب أميركي- إيراني، تصبح فيه فرنسا خارج أسواره، فتحشر نفسها في عزلة دولية تحاصر سياستها في ملفات المنطقة.
والرهان على إحضار المخاوف الإسرائيلية إلى الطاولة في جنيف يبدو محكوماً بالفشل مثلما حُكم على هواجس السعودية من قبلها، وغيرها من الاختراق القائم في الملف النووي الإيراني، حيث تفقد «فزاعة» المخاطر الإيرانية فاعليتها ودورها، مما يدفع إلى إعادة تشكيل العلاقات في المنطقة على معايير جديدة لا مكان لتلك «الفزاعة» في حساباتها.
بين الصدمة الإسرائيلية غير المحسوبة والهلع الخليجي «السعودي» المفتوح، تلقي المماحكة الفرنسية بفتات ما تبقى من ترسبات القاع الاستعماري الآسن، ومحاولة العودة إلى استنهاض تحالفات العهد الاستعماري بأدواته القديمة، وإحياء أقطاب التآمر الممهور بالأصابع البريطانية، التي تبدو حائرة في اتجاهاتها على وقع المتغير الدولي الذي يواصل توجيه صفعاته لتحالفات العقدين الماضيين، القائمة على أساس التفرد الأميركي وما أفرزه من تداخل في العلاقة بين الحلفاء والتابعين والأدوات.
إن التنطح الفرنسي لشغل الموقع الأميركي في التحالف مع المخاوف الإسرائيلية والتعاطف مع هواجس الضياع السعودي, وسط عاصفة الانحناءات الأميركية تجاه ملفات المنطقة، يفتح الباب على زوايا مسكوتٍ عليها منذ زمن، بعد أن أطبقت أضغاث الأحلام على الفرنسيين ومقارباتهم المريضة بهوس أطماعهم البائدة.
a.ka667@yahoo.com