في حزيران (يونيو) الماضي، التقينا المرحوم الدكتور عبد الكريم فرج وأنا في آخر نشاط ثقافي جمعنا معاً، وكان ذلك في إطار الندوة الشهرية (قامات في الفكر والأدب والحياة) التي كان يعدها ويديرها الأديب الدكتور اسماعيل مروة، والذي أخبرنا حين دعانا للمشاركة في ندوة عن الفنان المعلم فاتح المدرس أن النصوص التي سنقدمها ستنشر كاملة في كتاب توثيقي يصدر لاحقاً.
بناء على هذه الإشارة قدّمت بكلّ قناعة نصاً كنت أُعدّه ليصدر في كتاب خاص، ذلك أني وجدت في مشاركته لنصي الدكتور فرج والدكتور مروة إغناءً لمشروعي، وهذا ما حدث فعلاً. ففي الندوة الثالثة عشرة التي استضافتها مكتبة الأسد تحت عنوان: (فاتح المدرس بين اللون و الحرف.. عالم من التشكيل الخلّاق) تحدث الدكتور فرج عن تخلقات فاتح المدرس التشكيلية مقدماً قراءة تحليلية عميقة لتفرد تجربة المدرس، ومتوقفاً بشكل خاص عند لوحتيه : (كفرجنة) التي نالت الجائزة الأولى في المعرض السنوي عام 1952، و (الحكمة والضحية) التي عُرضت في المتحف الوطني بروما عام 1957. فيما تحدث الدكتور مروة تحت عنوان :(عالم من الإبداع المرهق والمتألق) عن تعدد المجالات الإبداعية للمدرس، مستعرضاً بعض الحكايات الشخصية التي تستكمل رسم شخصيته، ومسترسلاً، من ثم، في الحديث عن تجربته الإبداعية الأدبية في الشعر والقصة.
من جهتي قرأت القليل، الذي يسمح به الوقت، من النص الذي قدّمته للندوة والمتضمن رؤية شخصية للسيرة الذاتية والإبداعية لفاتح المدرس، وحواراً أجريته معه، وكتابات عنه وله : مقالتان إحداهما للأستاذ أنطون المقدسي على شكل حوار متخيل، والثانية للفنان رضا حسحس عن فاتح المعلم والفنان، ومقالة بقلم فاتح، على درجة عالية من الأهمية، تقدم مفهومه لفكرة الالتزام في الفن نشرها في العدد 41 من مجلة (شعر) مطلع عام 1969 وأعادت نشرها الفنانة والباحثة محار داؤود على صفحتها في الفيسبوك مطلع عام 2020، ونص حوار أجراه المدرس مع الشاعر محمد الفراتي ونشر في صحيفة (الثورة) بعد نحو ثلاثة عقود من اجرائه.
قبل أيام قليلة صدر كتاب الندوة عن الهيئة العامة السورية للكتاب، بإعداد وتوثيق الدكتور اسماعيل مروة والأستاذ نزيه الخوري، متضمناً إضافة إلى الأبحاث الثلاثة السابقة ثلاثاً من قصص المدرّس اختارتها السيدة خلود أحمد رسول، وملحقاً ملوناً يضم 56 لوحة وصورة ومنها لوحة وجهية رائعة لفاتح المدرس بريشة الفنان البارع فائق دحدوح، تم اختيارها لغلاف الكتاب.
المفارقة اللطيفة أن هذه اللوحة ذاتها كانت غلاف كتاب صدر عام 1999 عن وزارة الثقافة بعنوان :(سيمفونية اللون) وثق فيه الأستاذ علي القيم النصوص التي كتبت عن المدرس عقب رحيله. وهذا يؤكد أن العمل الفني المتقن يفرض حضوره مهما تبدل الزمان.
وكلّ التقدير والوفاء والمحبة لذكرى الراحلين الغاليين: فاتح المدرّس و عبد الكريم فرج.
إضاءات- سعد القاسم