«لكلّ زمان أوثانه» «بعضها قديم.. والآخر مُستحدث»

 الملحق الثقافي:

«أنتم في هذا العالم، في بقعةٍ صغيرة جرفت إليها الأيام منذ القِدمْ ـ ولاتزال تجرفُ – كلّ ما اسودَّ من رغبات القلب البشريّ، وما ابيضّ.. كلّ ما دبّ على الأرض من أفكارِ النّاس، وحلّق في الجوّ من أشواقهم، فكم من غازٍ غزاها فتملّكته وما تملّكها، وكم فاتحٍ جاءها فطوته قبل أن يحظى بمفتاحها، وكم من نبيّ شعّ نوره من جبينها، ورسول أذاع الحقّ بلسانها، وكأن القدرة ما كوّنتها إلا لتكون فتنة للغزاة والفاتحين..»..
كلماتٌ، قالها الأديب اللبناني «ميخائيل نعيمة»، الذي آلمه ما يحدث في عالمِ الإنسان المتهالك، وفي أرضٍ له شاسعها، لكنه لا ينظر نورها، وله شمسها وقمرها ونجومها، ويبحثُ ضالاً وجاهلاً ومتمذهباً، عن بقعةٍ ضيّقة، أو فكرة جاهلة يلوذ في ظلامها.. بقعةٌ، نضب الوعي فيها، وامتلأت بأشباه العقلاء، وأشباه الحكماء، وأشباه المصلحين.
هذه البقعة هي بلادهم التي تفرقت كلمتهم فيها، فلم يحاولوا جمعها، وهانت قيمتها، فلم يسارعوا لرفعها.. باتت موطئاً لأقدام الغزاة والطامعين، فتركها أبناء قلبها غير آسفين.. التفّوا على نزاعاتهم المذهبية، التي جعلتهم يرجمون بعضهم وأغلبهم متخاذلون ومتعصّبون.
إنهم من قال عنهم: «أشباه المرشدين، وماهم بالمرشدين، القائلون بنبذِ التعصّب، وهم من المتعصّبين.. يتعلّقون بمذهبهم تعلّقاً، يحملهم على كرهِ كلّ مذهب سواه..»..
كل هذا، تحدّث عنه في معظم كتبه، ولا سيما «البيادر» و»الأوثان»، مناشداً الإنسان في كلّ مكان، ألا يفتّش عن مذهب الآخر، إلا «بلهفة العاشق، وطهارة الطفل، وإيمان المتحضّر، وطمأنينة المسالم».
ناشد الإنسان بذلك، فكان الأديب المعروف والمميز، بأسلوبه البعيد كلّ البعد، عن كلّ تعصّبٍ دينيّ أو مذهبيّ، وقد كان السبب الأكبر لهذه المناشدة، تأثره بالمجازر التي حدثت في وطنه، في أواخر القرن التاسع عشر، واشتعال الفتنة الطائفيّة التي سعى لإخمادها بدعوته، أن يكون «كلّ أديب رسول في أمّته، لا يعنيه من الديانات، إلا الانتماءات الإنسانية التي تحطّم أوثان الحياة والأفكار، لتبني بالعقل والفعل، ما يجعلها تزدهي وتتباهى، بعباقرتها وفلاسفتها».
لاشكّ أنه ما جعل منه، مدرسة إنسانية متفرّدة في دعوتها ورسالتها، رسالة فكرٍ نيّر، يدوّنها قلمٌ ملهم، لأبناءِ هذا الزمان، ممن خاطبهم عندما رآهم، يتخبّطون في ظلام العبادات الوثنيّة:»لكلّ زمانٍ أوثانه، بعضها قديمٌ تتوارثه الأجيال المتعاقبة، والآخر مُستحدث، تخلقه الظروف المُستحدثة.. بعضها يتمتّع بعبادة الناس أجمعين، وبعضها تنحصر عبادته في طبقة دون غيرها، من طبقات المجموعة البشرية، فمن ظنّ أن الوثنيّة تحطّمت وانتهت دخاناً في الفضاء، كان على ضلالٍ مبين»..
قدّم رسالته هذه، ليفكّر بعدها في اعتزال الناس، فقد شنّوا عليه حمله قاسية، معتبرين إياه مدمّراً للحياة.. اعتزل الحياة، وعاش زاهداً ومتقشّفاً، يكتب ويفكّر في مصير الإنسان.. ذاك الذي خاطبه، بعد أن تفاقم ألمه:
«أخي! إن ضجَّ بعد الحربِ غربيٌّ بأعماله/ وقدّس ذكرَ من ماتوا وعظّم بطشَ أبطاله/ فلا تهزج لمن سادوا ولا تشمتْ بمن دانا/ بل اركعْ صامتاً مثلي بقلبٍ خاشعٍ دامٍ/ لنبكي حظّ موتانا..
أخي! إن عاد بعد الحرب جنديٌ لأوطانه / وألقى جسمهُ المنهوكَ في أحضان خلّانه/ فلا تطلب إذا ما عدتَ للأوطانِ خُلّانا/ لأن الجوع لم يترك لنا صَحباً نناجيهم/ سوى أشباح موتانا..
أخي! قد تمّ مالو لم نشأهُ نحن ما تمّا/ وقد عمّ البلاءُ ولو أردنا نحن ما عمّا/ فلا تندب فأذنُ الغير لا تسمع لشكوانا/ بل اتبعني لنحفر خندقاً بالرفشِ والمعول/ نواري فيه موتانا..
أخي! من نحنُ؟ لا وطنٌ ولا أهلٌ ولا جار/ إذا نمنا، إذا قمنا، ردَانا الخزي والعار/ لقد خمّت بنا الدنيا كما خمّت بموتانا/ فهاتِ الرفش واتبعني لنحفر خندقاً آخر/ نواري فيه أحيانا..

التاريخ: الثلاثاء27-4-2021

رقم العدد :1043

 

آخر الأخبار
تحرّك في الكونغرس لإلغاء عقوبات 2003 و 2012 المفروضة على سوريا  تعزيز الاستقرار والخدمات في حلب.. ومتابعة التنفيذ وتذليل العقبات الرنين المغناطيسي في "وطني طرطوس" قيد الصيانة.. وآخر جديد بالخدمة قريباً أسعار سياحية في أسواق درعا الشعبية تصريحات الرئيس الشرع تَلقى صدى إيجابياً واسعاً في وسائل الإعلام الغربية والعربية غضب واستنكار شعبي ورسمي بعد جريمة الاعتداء على الشابة روان في ريف حماة قمة ثلاثية في عمّان تبحث تطوير  النقل بين سوريا وتركيا والأردن أنقرة: "قسد" تراهن على الأزمة مع إسرائيل في سوريا… وتركيا تحذر  رؤية استراتيجية لإعادة بناء الاقتصاد السوري.. قراءة في حديث الرئيس الشرع انتهاكات الاحتلال للأراضي السورية.. حرب نفسية خطيرة لترهيب المدنيين منحة النفط السعودية تعطي دفعة قوية لقدرات المصافي التشغيلية "إكثار بذار حلب" تحتضن طلاب "التقاني الزراعي" في برنامج تدريبي باخرتان محمّلتان بـ 31570 طناً من القمح تؤمان مرفأ طرطوس  برؤية متكاملة وواضحة.. الرئيـس الشـرع يرسم ملامح المرحلة المقبلة   تركيا: يجب دعم سوريا.. واستقرارها مهم لأمن وسلام أوروبا ترحيب عربي وإسلامي باعتماد الجمعية العامة "إعلان حل الدولتين "  ناكاميتسو تشيد بتعاون سوريا في ملف الأسلحة الكيميائية وتصف المرحلة الحالية بالفرصة الحاسمة  مشاركة وزير التربية والتعليم في البرنامج الدولي للقادة التربويين في الإمارات  "الخارجية" تُشيد بالمبادرة الأخوية لقطر والأردن بإرسال قافلة مساعدات إنسانية  مركز نصيب الحدودي.. حركة تجارية نشطة ورفع القدرة الاستيعابية