الدول «الوظيفية» وعتبة «أرذل العمر»

ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم:

تدخل الدول الوظيفية في المنطقة عتبة الشيخوخة، وبعضها ترنح قبل أن تطأ قدمه العتبة، وربمّا قبل أن يضع أوزاره في رحلة اللاعودة، وما تبقى منها يتحضر قسراً أو طواعية لخوض حقبة أرذل العمر،
وقد ترهلت قبل أن ينتهي عمرها الافتراضي، حيث تتداعى الارتدادات في اتجاهات تبدو متعاكسة ومتناقضة، لكنها تقود إلى النتيجة ذاتها بأن أرضية النظام العالمي الذي تتبلور ملامحه أعلى بكثير من مسار الرؤية السياسية لدى تلك الدول.‏

المسألة ليست أحجية في علم السياسة، بل نتيجة حتمية لتطور متلاحق في المعطيات التي جاءت لحظة المكاشفة على قاعدة الترويج لبدء حقبة جديدة في المنطقة والعالم، على خلفية تراجع القطبية الأحادية، مقابل بروز توجه نحو تعددية قطبية في النظام العالمي المتحفز على الأبواب بانتظار لحظة الإعلان رسمياً.‏

وريثما تحضر هذه اللحظة، تعكس الإرهاصات الحاضرة اليوم حالة من التخبط والارتباك في سياسات الكثير من الدول الوظيفية التي اعتادت تقليدياً على الاحتماء خلف تلك الأدوار التي كانت تحاكي من خلالها مصالح الدول الغربية، وتقدم مقارباتها تجاه قضايا المنطقة وفق معايير تلك المصالح، ولا تخفي تلك الدول مخاوفها وملامح القلق البادية بوضوح على ممارساتها من هواجس الضياع وسط المعادلات الناشئة، فتكون مجرد فرق حساب ثانوي في حصاد القوى العالمية لحصص النفوذ على النطاق الدولي.‏

وباعتبار أن المهمة الوظيفية على مدى قرابة القرن إلا قليلاً اكتفت بتشكيل افتراضي لا يخرج عن نطاق التموضع السياسي، الذي ينفذ أهداف الأطماع الغربية ورأس زعامتها الصهيونية، ويستجيب لمتطلباتها، فإنه مع غروب شمس صلاحية تلك المصالح بحكم الانكفاء التاريخي لحضورها المباشر وغير المباشر، ستتشكل مساحات كبرى من الفراغ الإقليمي، الذي يبدو حتى اللحظة غير محسوم بمجمله، ومن غير المعروف هوية القادر على شغل ذلك الفراغ.. على الأقل في المدى المنظور.‏

من المسلمات التي تلقى رواجاً واضحاً في أروقة السياسة أن ما شهدته المنطقة كان تعبيراً فوضوياً عن رغبة في تحريك هذه الأدوار، لتكون أكثر مراعاة لمصالح المشروع الغربي المتأهب لتعديل أدوات حضوره، وشروط استمراريته المستقبلية، المحكومة بنفاد صلاحيته، ورغم ما شهده من اختراقات في خطواته الأولى، بنت الدول الوظيفية افتراضاتها على أن المشروع يسير باتجاه تثبيت أقدامه على النحو الذي يلائمها بأدوارها التقليدية والمستجدة، وبعضها على الأقل وضع جميع أوراقه في سلة ذلك الافتراض، وبنى كل سياساته وفق مقتضياته، ولم يتردد في تسويق وعود والتزامات، بعضها على الأقل وصل مرتبة الأوهام.‏

جاء الحدث السوري ليوقف عجلة الدوران في المشروع الغربي، وبعد شهور تجاوزت الثلاثين من المجابهة المفتوحة في اختبارات مصيرية، استخدمت خلالها الدول الغربية أشرس ما عرفه التاريخ واستقدمت أعتى ما مر على البشرية من صور توحش، وكانت مطيتها في ذلك أدواتها الإقليمية بما فيها من دول وظيفية تقليدية أو مستجدة، وكانت الحصيلة تحولاً في المسار اقتضى تصادماً وجودياً دفع بالنهاية إلى الإقرار بالفشل، وإن توهمت تلك الدول وبنت حساباتها على أساس خسارة جولة أو معركة وليس الحرب، فيما التطورات تنحو باتجاه هزيمة مدوية وفاصلة في تاريخ المنطقة والعالم.‏

في هذه الأجواء بدأت الدول الوظيفية وفي مقدمتها مشيخات الخليج وليس بعيداً عنها الأردن وحتى تركيا المزروعة أطلسياً، تتلمس موضع أقدامها، وقد سُحب البساط تدريجياً من تحت أدوارها، وانكشفت عيوبها، وفي بعضها باتت عبئاً واضحاً على إدارة المشروع الغربي ذاته، وفقدت الكثير من مبررات وجودها، فلجأت إلى المزاوجة بين الدور في المشروع المنكفئ وبين البحث عن مهمة، ولو في الزوايا الهامشية من المشروع الذي يستعيد حضوره، وحاولت وضع رجل في مقدمة القادم.. وأخرى أبقتها في مؤخرة المنصرف!!‏

المفاضلة القائمة اليوم بين تلك الأدوار لا تقوم على أساس انتفاء الحاجة فقط، بل تشمل أيضاً انتهاء العمر الافتراضي ومدى العبء الذي تشكله في ضوء التجاذبات المنتظرة في المشهد الدولي، فالارتدادات لن تقتصر على انتهاء الدور الوظيفي بحدّ ذاته، بل بوجود هذه الدول ذاتها ومبررات استخدامها وهي التي تتنافس على التفرّد ببوابات المشروع الغربي في نزعه الأخير والتعهدات المسبقة التي قدمتها في إطار خدمتها مدفوعة الأجر، بتبعية صريحة وارتباط مصيري بينها وبين الإدارات الاستعمارية إقليمياً ودولياً.‏

ما نراه اليوم ليس سوى عيّنة بسيطة مما هو قادم بعد أن تحل فصول الشيخوخة ويعم صقيعها، حيث بانتظارها أعاصير الاقتلاع بحكم انتهاء الصلاحية من جهة، وانتفاء الحاجة الوظيفية لذلك..وللحديث تتمة.‏

a.ka667@yahoo.com ‏
 

آخر الأخبار
الرئيس الشرع  في قمة (COP30)  :  إرادة الشعوب قادرة على تجاوز كل التحديات مهما عظمت   "  الخارجية " لـ"الثورة".. مجلس الأمن يعقد جلسة طارئة لرفع العقوبات  "روح الشام" دعم المشاريع الصغيرة وربطها بالأعمال الخيرية الشرع يشارك في فعاليات مؤتمر قمة المناخ (COP30) مصدر مسؤول في "الخارجية": لا صحة لما نشرته "رويترز" عن القواعد الأميركية في سوريا الرئيس الشرع يلتقي غوتيريش على هامش أعمال مؤتمر قمة المناخ (COP30) مبادرة "لعيونك يا حلب" تعيد تجهيز المقاعد المدرسية  الرئيس الشرع يجتمع مع وزير الخارجية الإيطالي على هامش(COP30)  العدالة البيئية كجزء من العدالة الوطنية.. رسالة الرئيس الشرع في COP30 صيانة شوارع السوق التجاري في مدينة درعا مضر الأسعد: "إسرائيل" تطمع في الأراضي السورية وانتهاكاتها ضغط سياسي ظاهرة التشرد في حلب تحت المجهر قفزة غير مسبوقة.. اتفاقيات بالجملة لـ"الطاقة" باستطاعة 5000 ميغاوات مجلس مدينة حلب و"المالية" يقرران تحديد ضريبة عادلة لمولدات "الأمبيرات" الرئيس البرازيلي يستقبل الشرع في قاعة انعقاد قمة المناخ “COP30 من البرازيل.. الشرع يقود سوريا من "التغريبة" إلى "الشراكة الخضراء"  سوريا على أعتاب نموذج تنموي جديد.. ما علاقة الإنسان والبنيان؟ الرئيس الشرع إلى البرازيل: زيارة تاريخية تفتح آفاق الدبلوماسية السورية الجديدة دعوة لصلاة الاستسقاء يوم الجمعة 14 الجاري 425 مليار ليرة كتلة المعاشات التقاعدية للشهر الجاري