الثورة أون لاين- ترجمة ختام أحمد:
كما كان متوقعاً اعترف الرئيس جو بايدن في بيانه الصادر في 24 نيسان بمذابح الأرمن التي ارتكبتها الهمجية العثمانية في عام 1915 بأنها إبادة جماعية، وبهذا يكون بايدن أول رئيس أمريكي يفعل ذلك بعد إشارة رونالد ريغان إلى الإبادة الجماعية في عام 1981 – والتي أقنعته مؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن لاحقاً بالتراجع عنها.
لم يعكس بايدن الإجماع الأكاديمي على أحداث عام 1915 فحسب، بل استجاب لنداء الأمريكيين من أصل أرمني الذين كانوا ينتظرون هذه اللحظة منذ 106 أعوام، كان المسؤولون الأتراك والأذربيجانيون يثقون تمام الثقة طيلة هذه الأعوام بحليفهم الأمريكي أنه لن يغدر بهم وكانوا يصفون كل من يطالب بالاعتراف بالإبادة أنه يعمل لصالح لوبي أرمني متطرف.
مع تزايد الوعي بالإبادة الجماعية في السنوات الأخيرة، تجاوزت مطالب الاعتراف بها المجتمع الأرمني وتم تأطيرها كجزء من مسعى أوسع لحقوق الإنسان والذاكرة التاريخية والعدالة، أقر كل من مجلس النواب ومجلس الشيوخ بالإجماع تقريباً بالإبادة الجماعية في عام 2019، وكانت الأرض مُعدة منذ فترة طويلة لرئيس أمريكي ليحذو حذوه، في حين أن سياسة الاعتراف تبدو واضحة ومباشرة، فإن هذا القرار هو أيضاً علامة على مزيد من ضبط النفس في السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
بُنيت القضية ضد الاعتراف على افتراض أن تركيا حليف حيوي للولايات المتحدة، وعضو في حلف شمال الأطلسي، وأحد أدوات واشنطن في المنطقة لمحاربة – روسيا وإيران و سورية وأوكرانيا وجنوب القوقاز – وفي أماكن أخرى.
في الحقيقة كانت تركيا ككلب الراعي يركض حيث تلقى العصى من سيده الأمريكي، ومن هذا المنطق فإن الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن سيثير استعداء تركيا ويكافئ أرمينيا “الموالية لروسيا”.
في السنوات الأخيرة زادت الخلافات بين واشنطن وأنقرة وهذا ما سرَّع بعملية الاعتراف بالإبادة، وقلب العلاقة من حليف يمكن الاعتماد عليه إلى عدو، وخاصة بعد أن قامت الأخيرة بشراء وتركيب أنظمة صواريخ الدفاع الجوي الروسية SU-400، وموقفها ضد بعض حلفاء الولايات المتحدة الآخرين في شرق البحر المتوسط.
حتى الآن، كان رد فعل تركيا مقيّداً بشكل ملحوظ ولم يتم الإعلان عن أي إجراءات انتقامية ضد واشنطن، فقط أصدر وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، دحضاً لبيان بايدن، واستدعت وزارة الخارجية السفير الأمريكي واقتصر الحديث عن القوات الأمريكية في قاعدة الناتو بإنجرليك، وقال المتحدث باسم أردوغان ومستشاره إبراهيم كالين إن رد فعل تركيا سيأتي بأشكال وأنواع ودرجات مختلفة في الأيام والأشهر المقبلة، ومع ذلك تقلصت مساحة أردوغان للمناورة بسبب الحالة المزرية لاقتصاد البلاد.
وقد تضاءل النفوذ التركي أيضًا مع قيام واشنطن بتقليص وجودها في الشرق الأوسط – من خلال الإعلان عن انسحاب من أفغانستان بحلول 11 أيلول، وتقليل قواتها العسكرية المتبقية في العراق، والسعي للانضمام إلى الاتفاق النووي مع إيران، وفي المسارح الأخرى التي يمكن أن تكون فيها مساعدة تركيا ذات صلة، مثل أوكرانيا، فإن إدارة بايدن، على الرغم من خطابها القاسي، لا تسعى إلى صراع عسكري مع روسيا، ومع ذلك فإن المصالحة بين الأتراك والأرمن هي التي ستوفر في نهاية المطاف أفضل تأمين ضد تكرار فظائع الإبادة الجماعية، ويجب أن يرتبط الأمر بشعوب المنطقة.
لكن التدخلات الخارجية لن تسمح للمنطقة بالاستقرار، حيث تتمثل الاستراتيجية طويلة المدى لكل من واشنطن والاتحاد الأوروبي في استخدام نفوذهم الذي ما يزال موجودا في أنقرة والمنطقة للحفاظ على مساحة لهذه الجهات الفاعلة لزرع بذور الفتنه والاختلاف، فعلى سبيل المثال، تقوم إدارة بايدن بتشجيع حلفائها الأوروبيين على إبقاء عملية انضمام تركيا المحتضرة إلى الاتحاد الأوروبي حية، ومن جهة أخرى تقوم بدعم الأكراد العدو اللدود لتركيا داخلياً، وسيكون ذلك تماشياً مع السياسة الأمريكية ومصالحها.
بقلم: إلدار محمدوف
المصدر:
Responsible Statecraft
“ريسبونسيبل ستاتكرافت”: موقع الكتروني صادر عن معهد كوينسي لفن الحكم المسؤول في أمريكا