ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير علي قاسم:
تأخرت الأحزاب العربية أو كادت.. تحيّدت أو حُيّدت، دخلت في غيبوبة مصطنعة وأحياناً بحكم الأمر الواقع، وكادت تغيب قضايا الأمة أو هي غابت بالفعل، تراجعت أولوياتها، وربما شُطبت من القائمة،
أو تم وضعها على هوامش الأجندات المختلقة، ففقدت موقعها في الصدارة، وتراجعت أحزاب كثيرة عن دائرة التأثير المباشر وغير المباشر، واختلقت لنفسها الأعذار كما أوجدت للآخرين الذريعة كي يستبيحوا ما تبقى.
تأخرت.. فتركت مساحات فراغ في السياسة والفكر والثقافة والإعلام أيضاً، فحضرت أطياف وأطراف وتشكيلات وتنظيمات لتشغل المكان وتملأ الفراغ، وأحدثت لذاتها قضايا وأولويات، ووضعت برامج وأجندات، وأحياناً رسمت سياسات أو تكفلت بتنفيذ سياسات الآخرين، وتعهدت أجنداتهم ومشاريعهم طوعاً أو قسراً، من الهم القطري والأميري والملكي وصولاً إلى الذاتي والشخصي، وحين عجزت أو فشلت في بعض جوانبها، افتعلت معاركها الهامشية والجانبية، وأغرقت الأمة بشعوبها ودولها في بحر من الاقتتال العبثي والمجون التدميري.
لم تكن الأحزاب العربية مجرد شاهد على ما جرى، بل في بعضه كانت شريكاً بصمتها على ما تم ويتم سراً وعلانية، وجزءاً لا يتجزأ منه، حين تخلت بحكم الأمر الواقع أو طواعية عن دورها، وكانت أداة ربما في بعض الأحيان من أدوات الدلالة على ضعف الأمة فرادى ومجتمعة.. ليست خارج دائرة الاتهام، ولا هي بعيدة عن الثغرات والمآخذ، حالها حال الكثير من الواقع العربي بمؤسساته، وتحديداً ذات البعد القومي، وإن كانت أكثر مدعاة للاستفاضة في الحديث عنها.
لا نعتقد أن الأحزاب العربية تحتاج إلى من يذكرها بما هو قائم، ولا بما هو آت، وليس من الحكمة في شيء أن نعيد على مسامعها جردة حساب لما جرى، لكنها قد تكون بأمسّ الحاجة لكي تُجري مراجعتها الذاتية قبل الموضوعية، والفردية قبل الجماعية، والعملية قبل النظرية، بعد أن استجدّت خيارات كثيرة وبَطُل ما هو أكثر، وبعد أن أضيفت إلى مهامها ودورها أعباء إضافية، وشطبت من أولوياتها ما تجاوزه الزمن، وما ثبت بطلانه .
فالفروقات الفردية قائمة والسِمات الجماعية متوافرة في الآن ذاته، غير أن هذا قد لا يفي بالحاجة إذا ما تخيلنا لبعض الوقت ما تراكم، أو لو حاولنا أن نعي أبعاد ما لحق بالأمة وأحزابها وشعوبها في فترة قياسية زمنياً، لكنها قد تكون الأهم في تاريخ الأمة وحتى في مصير الأحزاب العربية على حد سواء، وهذه الحقبة لا تكتفي برسم خارطة جديدة تُبطل مفاعيل سايكس بيكو، بل تقع تحت تهديد خرائط أكثر قسوة وأكثر خطورة.
المنعطف ليس ذاتياً ولا هو أيضاً موضوعياً فقط، ونستطيع أن نجزم أيضاً بأن المخارج ليست من هذا ولا ذاك منفرداً، بل هي خلطة تلتقي وتتقاطع على زاوية المفارق القائمة باختلاف اتجاهاتها، وتقف معها الأحزاب العربية على المنحنى ذاته مع تعديلات في الادوات والوسائل.
لسنا بوارد ما تمتلكه الأحزاب العربية من أوراق وهي الأقدر على تحديدها والأجدر باستنباطها واعتماد ما تجده مقنعاً ومفيداً، ولسنا بصدد تقييم أدوار ووظائف بقدر ما هي صرخة فعلية في زمن خفتت فيه الأصوات التي تتكلم بالهم العربي والشأن العربي، وصورة تستنبط ملامح العمل القاعدي الشعبي والجماهيري الغائب من التداول، والأحزاب العربية مجتمعة وفرادى تدرك تلك القاعدة وتعرف مكوناتها أكثر من أي طرف أو قوة، وتتقن تفاصيل التفاهم معها، وقد حنّت إلى زمن الوصل المنقطع.
الفرصة القائمة.. هنا في دمشق، التي تدفع بخرائط المنطقة والعالم إلى إعادة التموضع،وهي حتى لو تأخرت ليس فقط مساحة لتفعيل العمل وتقييم الأدوار والمهام، بل هي بوابة للنهوض من كبوة مرّت، وللتخلص من الإغفاءة والاسترخاء والكف عن التثاؤب على خط نار، وعلى فوهة البندقية وهي مصوبة نحوها وعليها وعلى دورها وموقعها وتاريخها، كما هي على حاضرها وحاضر الأمة ووجودها.
وهي ليست وقفة عابرة على جبهات مفتوحة على المجهول، بقدر ما هي معيار وظيفي تقتضيه شراسة المعركة وتعدد مستوياتها وشركائها ومديريها.. القدامى منهم والجدد.. بهويتهم الاستعمارية القديمة أو بلبوسهم الإرهابي الجديد، وحتى بعباءة الموقع المستجد لتلك المشيخات وأدوارها الوظيفية الموروثة من عهد سايكس بيكو التي تحظر وتحرّم الأحزاب ووجودها، وفيها من الفتاوى والاجتهادات الفقهية ما يفوق ما قالته العرب يوماً في الخمر.
a.ka667@yahoo.com