ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم:
يحل هولاند في ضيافة نتنياهو وقد استحق «الحفاوة» الإسرائيلية، بعد أن قدّم أوراق اعتماده مسبقاً مرفقة بكشف حساب مسهب بخدماته، خصوصاً في الأسابيع الأخيرة التي أفصح خلالها عن ودّ لم يسبقه إليه أحد،
وتفوق فيه على أقرانه من الأميركيين والأوروبيين، وقد حمل الراية الإسرائيلية ودافع عنها بشراسة لا نظير لها، وتمكن من تعطيل الاتفاق في جنيف بين إيران والدول الست.
الواضح أن هولاند ليس لديه نيات بإخفاء ما هو آت من أجله، ولا يشعر بالحرج من المطالبة بفاتورة مسبقة سياسياً ومالياً تستحق الدفع قبل أن يكمل مهمته في الجولة الثانية.. سياسياً ينتظر ثناءً إسرائيلياً قد يخفف عنه هواجس تراجع شعبيته بين الفرنسيين إلى مستويات لم تشهدها فرنسا منذ أكثر من خمسين عاماً، ومالياً يُعد حقائب وأوراق الصفقات التي تنتظره مع مشيخات الخليج لتكون بطاقة حمراء بوجه من ينتقده من خصومه في الداخل الفرنسي.
ليس من الصعب الربط بين توقيت الزيارة والتطورات الأخيرة، حتى لو أن الزيارة مقررة مسبقاً!! إذ لا يمكن تجاهل النيات التي تحكم هولاند، حيث أوهام الأطماع الاستعمارية المستيقظة تدفع به لتخيل زعامة محور جديد في المنطقة تحت الراية الإسرائيلية، وتضم بعض مشيخات الخليج بأمر سعودي التي رفعت من وتيرة تنسيقها الاستخباراتي وفتحت أجواءها في خدمة الإسرائيلي، خصوصاً أن الانكفاء الأميركي الذي يخلق مساحات من الفراغ السياسي يملي العودة إلى أضغاث الأحلام من جديد لتكون فرنسا القاطرة التي تتوهم بذاتها المقدرة على سد الفراغ بأذرع إسرائيلية وأرجل خليجية.
على هذه القاعدة، يمكن تفسير الكثير من الظواهر المرافقة لجولة الرئيس الفرنسي مرتدياً عباءة المشيخات، وهي تدشن مرحلة جديدة من العلاقة الفرنسية بالمنطقة وتضع حداً نهائياً لحقبة التوازن النسبي في المقاربات الفرنسية، ليبقى اللعب من تحت الطاولة ومن فوقها ساري المفعول حتى اللحظة.
ويراهن هولاند على أن ما استطاع تحقيقه في جنيف «الملف الإيراني» يمكن أن ينسحب على الملفات الأخرى وأن بمقدوره أن يعطل الحل السياسي ولو في اللحظات الأخيرة وأن يوقف قطار التوافق الأميركي الروسي، ومن ثمّ فإنه يريد أن يضمن مسبقاً القبول الإسرائيلي بقيادة فرنسا لكل ما يجري تحت الطاولة تمهيداً لتفجير ما جرى فوق الطاولة.
يحتاج هولاند إلى «الثناء» الإسرائيلي، مثلما تحتاج إسرائيل إلى أطماع وأوهام هولاند، ويحتاج الاثنان إلى مزيد من النفخ في الرؤوس الخليجية، وزرع المزيد من المخاوف والهواجس بما في ذلك الحديث عن أن أميركا باعت حلفاءها، وأن فرنسا وبالتحالف مع إسرائيل وتلك المشيخات بمقدورها أن تحول دون اتمام الصفقة التي سيكون الخاسر الأكبر فيها مشيخات الخليج التي تفقد مبرر وجودها الوظيفي إسرائيلياً وأميركياً وأوروبياً، وتحتاج مشيخات الخليج وفي مقدمتها السعودية إلى المكابرة بعض الوقت بأن ما ظهر من شيخوخة وما بان من عيوبها لم يفقدها آخر ما في الجعبة.
ورغم محاولة هولاند ومعه الإسرائيليون وقبلهم آل سعود التمسك بنتف ما تبقى من أوراق التوت في عملية التموضع التي تتزاحم خلفها دول وقوى وأفراد، فإن النفخ الإسرائيلي والسعار السعودي يشيان بذهاب العراب الجديد للإرهاب والإرهابيين والحاضن لداعميهم وحماتهم في مقامرة تسبقها المخاطر وتبدو نتائجها متقدمة كثيراً على معطياتها، فيما انعكاساتها تتفاقم ولن تكون تلك الأدوات ولا الحلفاء في منأى عنها.
فالحديث عن الخطط والحشد المتزايد للمرتزقة والإرهابيين والدفع بهم إلى سورية، سواء من نقطة التجمع الأساسية القائمة داخل الأراضي التركية أم من خلال تنشيط مراكز تجنيدهم في أكثر من عاصمة عالمية، قد تفسر بعض المجون السياسي الذي يحكم الدجل الفرنسي في رهانه الخاسر، والعقل الإسرائيلي الذي لم يقدر على هضم الجفاء الأميركي، على أمل التخفيف من أوجاع مشيخات الخليج التي سيسمع «الشيخ» هولاند وقد ارتدى العباءة شرحاً مسهباً عن معاناتهم من هذا الطلاق البائن مع المشروع الأميركي ولو تأجل إشهاره لبعض الوقت.
a.ka667@yahoo.com