مقاربات في الطريق

ثورة أون لاين- بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم:

تمتد الطريق الواصلة بين لحظة الانطلاق قبل ثلاثة وأربعين عاماً، وبين تاريخية المشهد الحالي بحكم المفترق الصعب الذي تواجهه في مقاربات تختلف باختلاف الظرف, وأحياناً التوقيت،ورغم محافظتها على وهج المعنى والضرورة التاريخية اللتين أملتا في نهاية المطاف المعطيات والاتجاه، فإنها تعرضت لمحاولة تغييب قسري, ورهاب سياسي وفكري منظّم، أفضى إلى انكفاء أو تردد بالبقاء في الواجهة.‏

وبغضّ النظر عن مدى تفهم الحالة سلباً كان أم إيجاباً، فإن ذلك لا يمنع من التدقيق والتمعّن بكثير من الموضوعية في المفازات الصعبة، وشروط احتكارها للخلاصات، وبكثير من التجرّد الذاتي في المفارق والتقاطعات المتوجسة التي مرّت عبر ثلاثة وأربعين عاماً، وهي ترسم في نهاية المطاف الخطوط البيانية لجوهر ما يحدث، ولا تتغاضى عن الخلفيات التي أطلقت أحكاماً متسرعة في بعض الجزئيات، وأحياناً في العناوين.‏

فالمسألة ليست في مفاهيم – على خطورتها – تطغى أو تُستبعد حسب الظرف السائد، ولا هي في شعارات – على أهميتها – تتوافق أو لا تتواءم والخصوصية السورية التي أنتجت عبر التاريخ نماذج متقدمة في التجربة السياسية، وكرّست حضوراً في التفرّد الإنساني، بقدر ما هي في المحاكمات المسبقة النتائج والختامية في مقاربة تكاد تصل حدود الانقلاب على المنهج، ولم تتردد في سَوق مفاهيم تحاول اجتثاث الحالة وإفراغها من أي منتج على أرض الواقع.‏

لسنا بوارد إعادة التذكير بما قدمته المنعطفات التي انطوت عليها الحركة التصحيحية وبنيانها السياسي والتنظيمي والفكري والمؤسساتي رغم العثرات، لكن أمام ضرورة المصارحة والمكاشفة في كفّتي الحصيلة لا بد من تسليط الضوء على التفرعات المشتقة من رحم التجربة، وبعضها قد غاص في تفاصيل الظواهر الخادعة التي ما برحت تُملي شقاً انتقائياً من بعض الجوانب، وترسم على هوامش الدروب التي اختطتها تعرجات تفضي إلى حالة من التشكيك في مفارق العمل المفصلية، وقد أغرقته في اختيارات لا طائل منها، وربما وضعته أحياناً أمام خيارات أو بدائل جميعها كانت تقتص من عمق التجربة ومن جوهرها.‏

اللافت أن الموجة الانتقائية تلك أفاضت في إغراق المشهد بقصف متتالٍ من المحاولات التي بنَت رؤيتها الافتراضية على تغييب المشروع الذاتي بجذره القومي، وإحلال مصطلحات تحديثية مستنبطة من المفهوم الغربي، بمفرداته المتعالية والتي دفعت إلى تعميم حالة استباقية من اللهاث خلف الركب الذي اكتسح – بتموجاته – جذور الطريق المنبثقة من التصحيح وغاياته وأهدافه، وبنَت عليه في مرحلة لاحقة جملة من الضرورات ذات الصيغة التبريرية المغرقة في لغة التفاضل على أسس ألغت وتلغي شروط النهوض إلا من البوابة الغربية.‏

أمام ذلك بدأ الانحسار الفكري يعمّ وينتشر على النطاق العربي، مع أسبقية حضوره على المنحى القطري الذي كان يسير بخطوات سابقة، مع فروقات شكلية في المنحى الذي اتخذته لغة التفاضل تلك، وكانت أولى ضحاياه نقل الشعور القومي إلى مرتبة «النقيصة» وأحياناً إلى عتبة الإحساس بالتحجر والخشبية!!، التي انسحبت مفرداتها على كل ما يمتّ إلى القومية والعروبة في الإعلام والسياسة والدبلوماسية، وحلّت مكانها مفردة الكينونة الانفتاحية على تجارب الغرب كشرط للقبول في المماحكات السياسية المرافقة.‏

في سورية كانت الموجة تلك تتحرك على ثلاثة محاور، اختصرتها عناوين الزحف الكوني بثالوث الإرهاب والأدوار الوظيفية والمطامع الاستعمارية المستيقظة، وأحكمت الإمساك بقبضة البوابات المولجة إلى العمق السوري، ورغم أن تجربته وخصوصيته تمتلك عوامل حصانة، وهي التي أسست في الماضي لانطلاق موجات من النهوض العربي، فقد تم استغلال ثغرات تعبوية ناتجة عن الموجة الانتقائية، لأن كل ما حصل كان مجرّد تمهيد أولي، فالمصب في سورية ومنها يعاد تحبير النقاط على خارطة الأهداف المحدثة والقديمة في المنطقة.‏

وفي ميزان النتائج أن الطريق الذي رسمته خطوات العمل على مدى ثلاثة وأربعين عاماً، أسست الأرضية والمقدرة للمواجهة، ووفرت الحصانة التي اتكأت على ما حققه التصحيح، وما وفّره من أوراق قوة في السياسة والاقتصاد والثقافة والفكر، رغم حملة التجيير والإلغاء، وما رافقها من قصف قريب وبعيد، وما نتج عنها من رمايات بالمفرد والجملة على النهج في المبدأ.‏

ما نحتاجه قد يفوق ما فعلته الحركة التصحيحية على مدى أعوامها المنصرمة، وما يلزمنا أضعاف ما راكمته، ومن يشعر بالحرج، يستطيع أن يقف حيث وقف الكثيرون، ولا نعتقد أن في ذلك ضيراً، بل هي عملية تنظيم ذاتي كانت مُلحّة ربما منذ أعوام، وهي أكثر إلحاحاً في جانبها العملي والفعلي على الأرض، حيث نجد من يحاول العودة إلى التخندق مجدداً، بعد أن خرج من كفّة المواجهة، وهذا يتطلب جهداً استثنائياً في موجة انتقاء معاكسة، بحيث لا بدّ أن ترجح الكفّة، ولا بدّ من فرز موضوعي محكوم بتجربة تستخلص عبرها تباعاً ولا تؤمن بالانتظار حتى تجتمع أو تتراكم على رفوف التأجيل.‏

a.ka667@yahoo.com ‏
 

آخر الأخبار
"ذاكرة اعتقال"..  حلب تُحيي ذاكرة السجون وتستحضر وجع المعتقلين "صندوق التنمية السوري".. خطوة مباركة لنهوض سوريا على كل الصعد من الجباية إلى الشراكة.. إصلاح ضريبي يفتح باب التحول الاقتصادي فضيحة الشهادات الجامعية المزورة.. انعكاسات مدوية على مستقبل التعليم   أزمة إدارية ومالية.. محافظ السويداء يوضح بشفافية ملابسات تأخير صرف الرواتب "صندوق التنمية السوري".. إرادة وطن تُترجم إلى فعل حين تُزوّر الشهادة الجامعية.. أي مستقبل نرجو؟ جامعة خاصة تمنح شهادات مزورة لمتنفذين وتجار مخدرات  وزير الاقتصاد: ما تحقق في"دمشق الدولي" بداية جديدة من العمل الجاد "اتحاد غرف التجارة الأردنية" يبحث تطوير التعاون التجاري في درعا تفعيل دور  الكوادر الصحية بالقنيطرة في التوعية المجتمعية "المرصد السوري لحقوق الإنسان" يقطع رأس الحقيقة ويعلقه على حبال التضليل حملة فبركات ممنهجة تستهدف مؤسسات الدولة السورية.. روايات زائفة ومحاولات لإثارة الفتنة مع اقتراب العام الدراسي الجديد...  شكاوى بدرعا من ارتفاع أسعار المستلزمات المدرسية  برامج تدريبية جديدة في قطاع السياحة والفندقة إلغاء "قيصر".. بين تبدل أولويات واشنطن وإعادة التموضع في الشرق الأوسط دعم مصر لسوريا..  رفض الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية  تطوير التشريعات والقوانين لتنفيذ اتفاقيات معرض دمشق الدولي أزمة المياه تتجاوز حدود سوريا لتشكل تحدياً إقليمياً وأمنياً "كهرباء القنيطرة": الحفاظ على جاهزية الشبكة واستقرار التغذية للمشتركين جهود لإعادة تأهيل مستشفيي المليحة وكفربطنا