ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحريرعلي قاسم:
رغم توضيح أو تصويب الخارجية الأميركية لتصريحات كيري حول الإخوانية في مصر، فإن ما أظهره كيري يتطابق مع ماتبطنه السياسة الأميركية والاتجاه عملياً نحو قطيعة نسبية مؤقتة أو دائمة مع المشروع الإخواني،
خصوصاً بعد الفشل المدوّي الذي لازمه في جميع خياراته وبدائله، وعجز قادته ورموزه ومديريه التنفيذيين والسياسيين عن تقديم مقاربات يمكن أن تشكل خطوطاً عريضة تتقاطع خلفها أو أمامها المصالح الأميركية -ولو مرحلياً-للاستمرار في توظيف ورقة الإخوان، قبل رميهم خارج الحلبة السياسية.
ومن الصعب الجزم بأن أميركا- قبل التوضيح وبعده- حسمت خياراتها كلياً، وأنها باشرت بتمهيد الطريق أمام بدء مرحلة أفول الربيع الأميركي الإخواني، في ظل الهواجس الأميركية من المتغيرات القائمة، والتي تجتاح كل ما عرفته مرتكزات السياسة الأميركية التقليدية طوال تسيّدها المشهد السياسي في المنطقة والعالم.
وإذا كان من المبكر الحديث عن القطيعة الكلية بين السياسة الأميركية والمشروع الإخواني، فإن الجدل حول أولويات السياسة الأميركية في مخاض التحولات بات ملحاً وحصرياً، خصوصاً فيما يتصل بالعلاقة الأميركية مع رموز الإخوان الإقليميين وقادتهم، وما قد تُمليه هذه الانعطافة من تداعيات على مستقبلهم السياسي، وربما وجودهم بحد ذاته، ولا سيما في ظل مؤشرات حقيقية على أن المشروع الأميركي بات أمام تحديات مصيرية، تُملي انكفاءه مرحلياً على الأقل أو إعادة تجميع لأوراقه التي تتبعثر في اتجاهات متباينة، تعكس ارتباكاً واضحاً وصريحاً.
ربّما لم يكن مفاجئاً للكثيرين أن تقدم الولايات المتحدة الأميركية على إعلان فراقها عن جماعة الإخوان، وأن تفترق عن مشروعهم رغم قصر المدة التي جمعت بين الطرفين، والتي دشنها إعلان واشنطن عن مقتل بن لادن، تمهيداً لربيع أميركي إخواني، «أزهر» خراباً ودماراً على امتداد المنطقة.
وليس مستبعداً أن تتخلى الإدارة الأميركية عن ذلك، وهي التي زجت نفسها في علاقة غيرشرعية، أملتها معادلات وحسابات خاطئة، حيث المؤشرات الأخيرة كانت تشي بذلك حتى لو لم تظهر للعلن، بدليل أن الكثير من المقاربات الأميركية حيال تطورات المنطقة بدت مفترقة كلياً أو جزئياً عن مقاربات المشروع الإخواني واصطدمت أغلب الأوقات مع تداعيات الاجتياح الإخواني العشوائي لحلبات المنطقة.
المسألة لا ترتبط بهذه المقاربة الأميركية المفاجئة في جزئيتها المصرية، بقدر ما تعكس توجهاً فعلياً يُملي بالضرورة إعادة النظر بارتباطاتها الإقليمية القائمة، وتحديداً ما يتعلق بزعامة أردوغان وحكومته، على أساس موقعه في قيادة المشروع الإخواني، وهو ما ظهرت نتائجه المباشرة في الارتياب التركي الذي يسارع اليوم إلى إعادة تدوير الزوايا من الساحة الروسية التي تبدو فضفاضة عليه وفوق طاقة أمنياته.
لذلك فإن أفول الربيع الأميركي الإخواني يسبقه بالضرورة أفولُ كثير من رموزه، واندثارُ الظواهر المرضية المرتبطة به، وإن بقيت شرارات النيران التي تؤججها فلول هذا المشروع!!.
فالمشروع الإخواني الذي جاء محمولاً على أذرع المشروع الأميركي ينكشف الغطاء عنه، ويبدو من دون أرجل ولا أذرع، وحتى جرعة الإنعاش التي توفرها له إسرائيل بالتحالف مع السعودية وبقايا الأدوار الإقليمية على خلفية المشاغبة والمناكفة تجاه الاستدارة الأميركية، وتغييرها لبعض أولوياتها لن تطيل في عمره، ولن تعيد له ما فقده بالافتراق الأميركي.
وما ينطبق على حال المشروع ينسحب بطريقة أكثر وضوحاً وأكثر اتساعاً على قادته ومروّجيه وحامليه الإقليميين، حيث لا تنفع الاستدارة ولا تجدي محاولة إعادة التموضع، ولن تؤخر في انعكاساته عمليات التجميل السياسي وسلسلة الترقيعات التائهة وسط صحراء العواصف الأميركية المتبدلة.
a.ka667@yahoo.com