ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحريرعلي قاسم:
لم تستطع أربعة وسبعون عاماً أن تفرض إيقاعها، ولا أن تمحي من ذاكرة السوريين حكاية تآمر مضت، ولم تتمكن لعبة قوى استعمارية جرت على رؤوس الأشهاد أن ترسم في صفحات التاريخ ما يمكن أن ينسي السوريين جزءاً من أرضهم وقطعة من وجدانهم الجمعي.
فسلخ لواء الاسكندرون التي راجت في زمن الفعل الاستعماري، لا تحتاج إلى تفاصيل كثيرة كي تحكي ما في صفحاتها أو لتروي ما بين أسطرها، رغم حالة التعتيم، وفي بعض الأحيان، التجاهل والنأي بها بعيداً عن الأضواء، كما أنها لم تكن في يوم من الأيام خارج حسابات السوريين وهي الحكاية التي تداولتها يومياتهم على مدى الأعوام التي مرت وفيها تتراكم الإرادة على إعادة الإضاءة المنسية.
ومثلما كان للتاريخ زوايا مغلفة بالنسيان، فإنه أيضاً يحتفظ بالكثير العابق منها وعلى جوانبها تضيء ما غفل منها.. ما ابتعد لبعض الوقت وهي تحكي تلك العلاقة القائمة على أسس الانتماء للأرض والإنسان وجذوره السورية الممتدة في عمق التاريخ.
ورغم أننا لا نحتاج إلى القرائن وهي حاضرة بوفرة التاريخ والأصالة الممتدة في تلك الأجزاء، فإن الزمن كان كفيلاً بإسقاط مقولة الغزاة أن القوة يمكن لها ان تعيد رسم الجغرافيا كما تفعل في السياسة، وأن الخرائط التي تنتجها في زمن العوز والطغيان يمكن لها أن تبقى كذلك أو أن تستمر، رغم المتغيرات والتطورات التي تعيد النظر في الكثير من إحداثياتها القائمة على الافتراض أو بحكم الأمر الواقع.
ورغم أننا لا نفتقد الأدلة القائمة في كل زاوية من أرض اللواء، وفي كل بقعة من قراه ومدنه، فإن تسليط الضوء ليس من باب الإضاءة على الذاكرة ولا يأتي في إطار البحث عن مزيد من الأدلة والقرائن بقدر ما يعكس ترجمة فعلية لإرادة التمسك بتلك الأرض، وهي التي عجزت في كل السنوات الماضية أن تغير من هويتها، أو تعدل من إحداثيات وجودها في الذاكرة السورية.
وفي ظل التطورات الراهنة تكتب قضية اللواء مدادها من التطورات المرافقة في سياق الأدوار التي تمارسها الحكومة التركية، وأفواه أطماعها المفتوحة في اتجاهات لا تكتفي بالسطو على الأرض وهويتها، بل تحاكي أحلام طورانيتها في العودة من بوابة الهيمنة على المنطقة، لتكون المتنفذ الجديد والقائد المعتمد لمشروع الغرب بلبوسه الجديد وطاقم أطماعه المتجدد.
لا أحد ينكر ان الأعوام الماضية كانت قاسية، وفي بعض زواياها كانت مؤلمة نتيجة الكثير من التحديات الناتجة، لكنها لم تغير الاتجاه ولم تعدل اليقين السوري بأن اللواء هو أرض سورية وسيعود إلى ما كان بقوة الإرادة، كما هو بقوة الشرعية التي عجزت الحكومة التركية ان تضفيها وبسلطة الانتماء والهوية مثلما هو بسلطة الفعل الرافض لكل محاولات التتريك والتعايش مع الأمر الواقع التي فشلت جميع الإجراءات التركية في ترجيح كفتها وحسم نتيجتها.
فالشرعية القانونية والسيادية كانت وستبقى سورية، ووثائق القرار الدولي ومنظماته شاهد إثبات يتمسك بالحقائق الراسخة في صفحات التاريخ، وحتى محاولات التزوير فشلت في تمرير الصفقات الاستعمارية البغيضة وعجزت عنها تحالفات المصالح وتقاطعاتها.
لواء الاسكندرون ينفض عن الذاكرة ما علق بها من سنوات عجاف ويسترد بيقين السوريين حضوره ليبقى أرضاً سورية، وواقعاً سورياً لا بد أن يلامس بعتباته مفردات الانتماء لهذا الوطن طال الزمن أم قصر.. طغى المعتدون والمتآمرون أم انفضوا .. تقاطعت أطماعهم أم تعارضت.. ازدادات أوهامهم أم انكفأت !!
a.ka667@yahoo.com