ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم:
لم يفهم نبيل العربي الموقف الروسي من الأزمة في سورية!! ربما من الطبيعي ألا يفهمه، وهو المختص إلى حدود الاحتراف في الإملاءات وما يطلبه منه مشغّلوه، وما عداه يصبح بالنسبة له مجموعة من الطلاسم والألغاز التي يصعب عليه استيعابها،ويحتاج إلى وقت طويل إذا استطاع يوماً أن يفهم ما يجري!!
حاله في ذلك حال الكثيرين من نظرائه وشركائه – مشغلين ومشتغلين- الذين لم يستوعبوا أيضاً المتغيرات الجارية، ولم تصلهم بعدُ إحداثيات المشهد الدولي المتشكل على أعتاب الأزمة في سورية، فبقوا متمترسين في تخندقهم يجترّون المقاربة التي جاءتهم آخر مرة بالبريد الأميركي المضمون وقد فات عليها أشهر عدة.
المفارقة أن «العربي» يصمت قريباً من الدهر، ويعود لينطق ما هو أكثر من الكفر، يجمع ما فاته طوال صمته ويسهب في تقديم الأدلة والقرائن على ما هو مطلوب منه لما قد يأتي لاحقاً، كدفعة مقدمة على الحساب ولأجل، وما يعجز عنه وهو الناطق بلسان غيره، يستعين عليه بما يقدمه له مشغلوه.
يعود عن صمته ليدسّ أنفه فيما لا يعنيه، ويقدّم خدمات لم يطلبها أحد منه، وهو يدرك أنها خدمات تأتي في الوقت بدل الضائع، إذ لم يستشره أحد ولا نعتقد أن أحداً لديه الرغبة في ذلك حتى أولئك الذين رسموا له وللجامعة دوراً ووضعوا لها إطاراً للتحرك، ليسوا بوارد ذلك -على الأقل -في الوقت الحاضر، فلديهم ما هو أكثر إلحاحاً، وبعضهم استنفد آخر ما يمكن للجامعة من أدوار في الحاضر والمستقبل، بعد أن ادت ما كان يُرسم لها.
لم يكن أحد يعوّل على نبيل العربي ولا على تنظيراته بعد طول سبات وصمت، فأخرج ما في جعبة أحلامه وتمنياته القديمة، وهو يلوك خطاباً تجاوزه الزمن وبات من المنسيات، لأنه يدرك هو وغيره أن لا أحد يمثل الشعب السوري سوى الشعب السوري، وأن الهياكل المصنوعة على المقاس الإسرائيلي ووفق الإملاء الأميركي لا تمثل سوى من صنعها.
الفارق بين ما اقترفه بالأمس وما يقترفه اليوم أنه كان حينذاك في رزمة الحسابات الغربية وبنك الأدوات الإقليمية بنداً رئيسياً، وربما مطية، واليوم تحول إلى مجرد استطالة سياسية وظاهرة مرضية لا يريد أحد أن يقترب منها ولا أن يذكّر بوجودها.
كثيرة هي الأصوات التي تم استحضارها على عجل، و«العربي».. شكلاً ومضموناً.. صوتاً ولساناً نموذج، وكان لنبرة هذه الأصوات وظيفة استهلكتها الأحداث وتجاوزتها التطورات، لم يعد لها صدى ولا وجود حتى في الهوامش والزوايا المهملة، والغريب أنه هو وبعض أترابه يستيقظون في الزمن الخطأ و ينطقون في الاتجاه الخطأ.
لم تصل إلى «العربي» كل الأصوات الدولية، ولا يعرف شيئاً عن المقاربات الجديدة القائمة على أساس المعطيات التي استجدّت في السياسة وعلى الأرض، لم يسمع أن السوريين وحدهم من يقرر، ولم يلمس فشل كل السيناريوهات البديلة، وعقم كل أدوات المرتزقة وأدوار الحاضنين والممولين على الأرض وفي الأقبية والسراديب والأنفاق.
إعادة نفخ «العربي» في هياكل التصنيع الغربي للأدوات والمرتزقة لا تضيف إليها شيئاً، بقدر ما تشي بالحال الذي وصلت إليه، ومحاولة بث الحياة في مفاصل تموتت بفعل إرادة الصمود السوري وظهّرتها المتغيرات في المناخ الدولي، ليست أكثر من عملية قيصرية لمولود مشوه وبعد فوات الأوان.
كان بمقدور «العربي» أن يبقى صامتاً، ولو فعل لتجنب الكثير من الإحراجات، وكان بمقدوره أن يؤجل اعترافاته عن عدم الفهم حتى لا يوقع مشغليه بمزيد من الارتباك، خصوصاً في وقت يبدو بأمس الحاجة للصمت أكثر منه للثرثرة!!
a.ka667@yahoo.com