الثورة أون لاين _ فؤاد مسعد:
يصل الغيظ لدى بعض المبدعين إلى الاستهزاء بأي نقد ورأي ، وبما أنهم نجوم ولهم (مريدوهم) فما يقولونه سيجد الكثير من الأبواق التي تهلل له كيفما كان ومهما كان ، وليحققوا شيئاً من المصداقية يخلطون بذكاء وخبث وتهكم بين الغث والسمين من (الأفكار) ليحققوا حالة من الإقناع عبر كلامهم ، فيطلقون رصاص حكمهم عليها ككتلة واحدة خدمة لما يريدون إيصاله من (رسالة) ، وكأنهم بذلك يدسون السم في الدسم ، موجهين سهامهم في كل اتجاه لتصيب في مقتلٍ كل من يتجرأ أن يقول رأياً (لا يعجبهم) . يفعلون ذلك وهم ممتلئون من نرجسية عالية لا يسمعون فيها إلا صوتهم ولا يرون فيها إلا منطقهم وكل ما عدا ذلك يسوّقونه على أنه هرطقة يقوم بها من يصورنه بالمتعربش على الجسد الإبداعي الذي يمتلكون هم فقط تفاصيله ومفاتيحه !..
ضمن هذه الجدلية التي أفرزتها سياسة القطب الواحد الثقافية ، والقائمة على دعامة (أنا وحدي ولا أرى غيري) شخصنوا نتاجهم وجعلوه حبيس (الأنا) لديهم ، رغم أن أي نتاج إبداعي ما إن يُطلق للعلن حتى يخرج من قفص صاحبه ليصبح بمعنى من المعاني ملكاُ للجمهور الذي لديه التقييم الأهم ، وإلا فليس من داعٍ لأن يصدّر المبدع نتاجه للناس وليجعله حبيس جدرانه العالية.
والمفارقة أن المتواضع منهم ومن يجد أنه من الصعوبة بمكان الاختباء وراء الإصبع واخفاء هناته في عمله يسارع إلى إطلاق التبريرات مدافعاً تارة ومهاجماً (أياً كان) تارة أخرى ليبعد عنه أي شبهة ، فعمله لا بد أن يكون هو المُنتج المُشتهى والمُبتغى شاء من شاء وأبى من أبى ، حتى وإن أعلن الكل سقوطه سيبقى يراوغ مطلقاً الأحكام في كل اتجاه وينتفض مهاجماً بشراسة ، وأمام هذه اللوحة تُثار الأسئلة حول مستوى حالة الوعي في آلية التعاطي والنضج الفكري الذي يتمثلهما هذا المبدع خاصة بعد أن نفى بشكل أو بآخر صفة الندّية مع أي كان بما في ذلك رأي من ينتقد أو يحلل أو يقدم قراءة أو يشرّح العمل ، ومعنى ذلك أنه بات أصم الأذنين وأعمى العينين ، لا يريد أن يسمع أو يرى .
اليوم أي فنان تشكيلي يقول (ليس هناك حراك نقدي يوازي حركة الفن التشكيلي)، والسينمائي يقول (ليس هناك نقد سينمائي يصل إلى مستوى ما يقدم من أفلام سينمائية) وكذلك صانع العمل الدرامي التلفزيوني يقول (ليس من نقد للأعمال التلفزيونية يوازي ما يقدم ، لا بل ليس هناك نقد أبداً) ويجر هذا الكلام على الكثير من أفرع الإبداع (وبغض النظر عن سوية من يقول) ، وفي أحسن الأحوال قد يجامل أحدهم ويقول .. ليس هناك نقد وإنما هناك انطباعات ، ويتحصنون بأمثلة لا تعكس حقيقة الصورة وإنما تشوهها وتمعن في ذلك عبر استنادهم إلى أمثلة يستنبطونها من بطون الكتابات الهشة والمفبركة والبعيدة عن النقد تاركين أي نقد أو رأي أو تحليل حقيقي يموت في مكمنه .. ليؤكدوا فكرتهم بأنه (ليس هناك نقد) !.. ، ولكن كما أن الفنانين والكتاب والمخرجين الحقيقيين قلائل كذلك الأمر في أغلب المجالات الإبداعية الأخرى بما فيها النقد ، ولكن هذا لا يعطي الحق لأحد أن يمحو حراكاً ، والمفارقة المضحكة أن العديد من هؤلاء النقاد قد أصابهم مرض المبدعين نفسه ، فبات منهم من لا يعترف بهؤلاء المبدعين (كتابا ومخرجين وفنانين ..) ويرون في أعمالهم استهزاء بالمتلقي ، وكأن الأمور تذهب باتجاه قطيعة بات السعي إليها حثيثاً ، والخوف أن يقف وراء ذلك الشخصنة ورد الكيل الأشبه بالجمر المتوهج تحت الرماد .
على رسلكم .. فبناء غدٍ أفضل لا يحتمل هذا التعاطي ، لننظر بعين المحب ، لنسقط من حساباتنا المتسلقين ولنحمي الحقيقيين (وإن لم يروقونا) لأنهم شركاء في البناء ، نقوى بهم ويقوون بنا ، قليل من التواضع فأعمدة إبداعية عالمية كبيرة لفظ الناس أعمالاً لها لأنها لم تكن بالمستوى المطلوب ولم يخرج أحد منهم ليقول كيف يجرؤون على نقد أعمالي ، تعلموا منهم وليكونوا لكم قدوة ، لنعترف ببعضنا البعض ، فحتى البازي لا يستطيع الطيران بجناح واحد وإنما يحتاج لجناحين كي يحلق عالياً ، فقليل من التواضع أيها .. المبدعون!..