ربما شغلنا الواقع غير المنطقي عن متابعة الكثير من الأسماء الشعرية العربية التي تركت بصمة مهمة جداً في ميادين الإبداع.. واقع الضخ الإعلامي الذي ركز على أسماء محددة وأغفل أسماء أخرى كثيرة كان لها حضورها المتميز وسيبقى.
شغلنا بما أنجزته نازك الملائكة وهو مهم جداً.. وأغفلنا غيرها.
من هؤلاء الشاعرات اللواتي تركن البصمة الخالدة الشاعرة لميعة عباس عمارة التي رحلت منذ أيام.
وقد شغلت وسائل الإعلام العربية والغربية برحيلها وتوقفت عند محطات في حياتها ومنجزها الإبداعي ومن حصاد هذا الاهتمام نقتطف بعضاً من المحطات المهمة التي يجب أن تبقى حاضرة دائماً وأبداً.
(لميعة عباس عمارة، المولودة في بغداد عام 1929، عرفت بجرأتها في الإبداع ويقال إن الشاعر السياب أحبها وكتب لها قائلاً.:
“ذكرتك يا لميعة والدجى ثلج أمطار”،
تعد لميعة إحدى أهم الشاعرات العراقيات اللواتي لعبن دوراً محورياً ضمن حركة الحداثة في الشعر العراقي والعربي عموماً، إلى جانب شعراء من أمثال نازك الملائكة وبدر شاكر السياب، في خمسينيات القرن الماضي.
عرفت عمارة، المولودة في بغداد عام 1929، بجرأة في كتابة الشعر، جعلتها من أهم الشخصيات الشعرية النسوية، اللواتي كتبن عن المرأة والحب والغزل.
ولدت الشاعرة الراحلة لعائلة عريقة معروفة في منطقة الكريمات ببغداد. كان عمها صائغ الفضة المعروف، زهرون عمارة، وابن خالها الشاعر العراقي البارز الراحل عبد الرزاق عبد الواحد.
نالت لقبها نسبة إلى مكان ولادة والدها في مدينة العمارة جنوبي العراق، حيث بدأت كتابة الشعر مبكراً وهي في ربيعها الـ12، وكانت ترسل قصائدها إلى الشاعر اللبناني المهجري، إيليا أبو ماضي، الذي كان صديقاً لوالدها.
نشرت أول قصيدة لها في أربعينيات القرن الماضي، وكانت حينها في الرابعة عشر من عمرها. وبمجرد أن قرأ إيليا أبو ماضي قصيدتها كتب قائلاً “إن كان في العراق مثل هؤلاء الأطفال فعلى أي نهضة شعرية مقبل العراق”.
من بين قصائدها الشهيرة “وحيدة على شواطئ الأطلسي”:
من غرفتي أحكي عن الحب أنا
وعن هوى لم ألمسِ
كفيلسوف يصف الخمر التي لم يحتسِ.
وعنها يقول الكاتب العراقي عقيل عباس إن الشاعرة لميعة عباس عمارة عملت “انقلاباً” هائلاً في الشعر، لأنها ركزت على مفهوم الحرية وكانت صوتاً للمرأة.
ويضيف عباس في حديث له مع وسيلة إعلام غربية يقول: “عند المقارنة بين لميعة ونازك الملائكة، تعد الأخيرة هي الرائدة في مجال الشعر الحر، لكن في ما يتعلق بقضايا المرأة لميعة هي الأهم والأعمق شعرياً”.
من قصائدها المعروفة قصيدة “أنا عراقية”، تقول فيها إنها كتبتها عندما حاول أحد الشعراء مغازلتها في مهرجان شعري في العراق. هذا مطلع القصيدة:
“أتدخنين؟ لا.. أتشربين؟ لا.. أترقصين؟ لا.. ما أنتِ جمع من الـ لا؟ فقالت أنا عراقية”.
خلال مسيرتها الأدبية الطويلة، صدرت لها عدة مجموعات شعرية، أبرزها “الزاوية الخالية” و”عودة الربيع” و”أغاني عشتار” في السيتينيات، و”يسمونه الحب” عام 1972 و”لو أنبأني العراف” عام 1980.
لم تقتصر كتابات الراحلة لميعة عباس عمارة التي هاجرت من العراق في نهاية سبعينيات القرن الماضي واستقرت بولاية كاليفورنيا حتى مماتها، على الشعر الحر الفصيح، بل كانت لديها أيضاً قصائد باللهجة العامية لاقت صدى واسعاً في العراق لطرافتها وعمقها.
تمكنت لميعة عباس عمارة من كسر “النمطية المجتمعية” والتقاليد المتعلقة بصورة المرأة، كما يؤكد الكاتب عقيل عباس، ويضيف “كانت جريئة جداً في تناول المرأة كذات، لأنها تتحدث عن الرغبة والمشاعر في مجتمع ذكوري طغى حتى في الشعر”.
وعن علاقتها مع السياب يقول عباس:
يقال إن هناك علاقة حب نشأت بين لميعة وبدر شاكر السياب، وظهر ذلك جلياً من خلال القصائد المتبادلة التي كتبها الشاعران بعضهما للآخر.
تميزت لميعة، التي كانت زميلة السياب في دار المعلمين العالية- كلية الآداب ببغداد، بالجمال والروح المرحة ما جعل الشاعر البصري يقع في حبها.
ويؤكد عباس أن هذه العلاقة كانت موجودة وكان لها تأثير واضح على كتاباتهما.
من أشهر القصائد التي يعتقد أن السياب تغنى فيها بلميعة هي قصيدة يقول فيها: “أحبيني لأن جميع من أحببت قبلك ما أحبوني”.
في المقابل، تؤكد الشاعرة في إحدى مقابلاتها الصحفية أنها بالفعل أحبت السياب، وأنها كتبت له شعراً، وتأثرت كثيراً بصداقته التي لم تكن أكثر من علاقة بريئة ومحلقة ومبدعة”.