ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير- علي قاسم:
يستجمع الجولان أوراقه هذا العام، ويضيف إلى روزنامته وجداول مواعيده الكثير من شواهد استجدت، بينما الحقائب التي تراكمت على هوامش الذاكرة، والأمتعة التي أضافتها السنوات العجاف تتقاطع فيها الحكايات الأولى
التي جعلت الجولان على الدوام يقيناً أبدياً في يوميات السوريين، يوجعه ما يوجعهم ويؤلمه ما يؤلمهم، وينبض بالرجاء السوري في مواجهة تشحذ سكاكينها باتجاه أوصال الوطن وشرايينه.
اثنان وثلاثون عاماً مضت على قرار الضم الجائر، وذلك اليقين يتداوله السوريون دون توقف أو تردد، وقد اجتمعت تحت سقوفه ألوان طيفهم السياسي والاجتماعي، وتلاقت على روابيه المزروعة في وجدانهم الهوامش والإضافات وما رمت به السنون وفصولها وأيامها، ليظل الجولان وجداناً واحداً وطريقاً واحداً، حتى لو تعددت الدروب إليه أو تكاثرت المفارق باتجاهه.
لا يكتفي الجولان اليوم برفض الاحتلال وقرار الضم، والوطن تجمعه حكايات صعبة وتواريخ أكثر صعوبة، وتمرّ من بين ثناياه آلام وأوجاع السوريين من إرهاب تكالبت على دعمه وتمويله واحتضانه وإنتاجه قوى الغنيمة المستوردة من خارج التاريخ، لتوزع فيه وعلى جنباته حكايات أخرى من المأساة وتواريخ جديدة، تحاول أن تُبعد الجولان أو أن تُعيد ترتيب أولوياته في وجدان السوريين.
ليس من الصعب التقاط الخيوط التي تتورم حولها أصابع الضغينة والحقد على الوطن والتاريخ والوجود، وعلى السوري الذي يُراد له أن ينسى ذاكرة وجوده الأولى ودفاتر ثوابته، ليكون شاهداً إضافياً على الخزي الأعرابي في زمن التوحش والمذابح، وعلى الأذرع الإرهابية التي تتشابك اليوم مع الإسرائيلي على الهدف ذاته والغاية نفسها، ومن دون أن تعيد تدوير زواياها أو المواربة في الانتقام من السوري الذي تتطابق فيه إلى حدّ الاستنساخ الحرفي.
من الجولان بدت الحكاية وإليه تعود، وفي طريق الذهاب والإياب تلتقط التفاصيل من ربوع الوطن المذبوح على هويته وانتمائه وتاريخه، وتعرّج على آلام الوطن، ولا تنسى أن تجمع شواهدها من عدرا العمالية إلى دير عطية والنبك وحلب وحمص ودير الزور والرقة وريف اللاذقية ومعلولا ويبرود وبقية الحقائب الممتدة على طابور الانتظار.
لا يستطيع الجولان أن يحضر في قائمة الذكريات السورية دون أن يستحضر دماء السوريين التي تسيل بساطور الإرهاب الذي يريدها أن تنسى الجولان، بعد أن أشهر مرتزقة الإرهاب عقيدة تحالفهم مع الإسرائيلي جنباً إلى جنب مع السعودي والقَطَري والتركي والأوروبي والأميركي وكل الذاهبين وراء مشاريع الدم في المنطقة، حيث خَلَت مساعداتهم «غير القتالية» من السواطير والمقاصل وإن تضمنت الصواريخ المضادة للطائرات وقذائف الهاون التي استولت عليها التنظيمات التي ترعاها أدواتها في المنطقة برموش ممالكها وعيون مشيخاتها.
اليوم يذوب ثلج الكذب ويظهر مرج الإرهاب وداعميه وحاضنيه على الملأ، ويفرّ مرتزقة القتل ونواطير السواطير الممتدة إلى عنق السوريين في عدرا كما امتدت إليهم في بقاع أخرى، لتجتمع على متراس الإسرائيلي وبندقيته مع صاروخ الأميركي وهاون البريطاني وقذائف الفرنسي وأموال السعودي وصفقات التركي والقَطَري.
ربما تأخرنا، بل نستطيع أن نجزم بذلك، وربما كان بمقدورنا أن نحول دون أن تشتغل السواطير من جديد، وليس من الحكمة في شيء التبرير ولا سرد الذرائع والحجج، لم ندّعِ، ولكن الحجة اليوم تتوه، وليست حكراً على من ادّعى، ولا هي حصرية بمن يسوغ أو يبرر، خصوصاً أن العناوين تتكرر ذاتها، والتفاصيل تتشابه، وفي كل مرة نرى القطرة التي ستطفح منها الكأس ونصمت، وربما نلمس الشعرة التي ستقصم, ونوارب النظر.
في قرار رفض الضم وتمسك الأهل في الجولان بالهوية السورية تكمن الحكاية بدروس إضافية، ولرفضهم ذلك الإرهاب الأعمى أيضاً تفاصيل ما يجري في هذه اللحظات، وما يمكن أن يجري لاحقاً، ونحن بأمس الحاجة وقبل أي شيء أن نحول دون أن تطفح الكأس أكثر، وألا تفيض من حولها سيول ما انتظرنا عليه طويلاً.