الثورة أون لاين _ فؤاد مسعد:
السينما ذاك السحر الكامن بين التفاصيل والحكايات ، سحر الصورة والفكرة ، ذلك العالم الذي يضج حياةً وألقاً ، لم يعد مجرد حلم بعيد المنال يراود عشاقه ، وإنما بات واقعاً أقرب إلى التحقيق لمن يمتلك الموهبة الخلّاقة من الجيل الشاب ، هذا ما يمكن تلمسه من خلال اتخاذ العديد من الخطوات الفعلية لدعم هذه المواهب وإيجاد المنافذ المناسبة التي تؤمن لها ترجمة طموحاتها وتحويلها من مجرد أضغاث أحلام إلى واقع ملموس بكل تجلياته ومفرداته وشطحاته ، هذا الاهتمام الذي ازداد حضوره حتى خلال الحرب التي شنت على سورية ، إيماناً بأهمية اكتشاف الطاقات الشابة الجديدة والخلّاقة التي تحمل هواجسها الإبداعية وتسعى إلى تلمس تجاربها الأولى ضمن شروط إبداعية صحّية لتحفر لنفسها مكاناً في المشهد السينمائي السوري ، وأمام تنامي ولع الكثير من الشباب بالسينما كوسيلة للتعبير عن مخزونهم الفكري ورؤيتهم للحياة ، ومحاولاتهم الحثيثة للبحث عن المفاتيح المناسبة للولوج إلى عوالم وخبايا هذا العالم ، جاء القانون رقم (6) لعام 2021 الصادر عن السيد رئيس الجمهورية والقاضي بإحداث المعهد العالي للفنون السينمائية بهدف تخريج المتخصصين في الفنون السينمائية والتدريب والتأهيل في مختلف مجالات الفن السينمائي بما يحقق نهضة فنية في هذه المجالات ، وأكدت المادة السابعة عشرة منه إتاحة التعاقد مع السوريين أو العرب أو الأجانب للتدريس والتدريب في المعهد من ذوي الكفاءة والخبرة التي تؤهلهم لذلك ، ويأتي ذلك لضمان سير العملية التعليمية على أكمل وجه وحصد أكبر استفادة منه ، وقد تمت تسمية المخرج باسل الخطيب عميداً للمعهد .
الاهتمام بالمواهب الشابة لم يكن وليد اللحظة وإنما جاء ضمن خطوات عديدة تم اتخاذها في مختلف مناحي الحياة ، بما فيها السينما ، لتشكل في مجموعها درعاً حصيناً ينميها ويدعمها ويكون لها بمثابة البوصلة ، ولدى العودة إلى الوراء قليلاً نتلمس ضمن إطار عوالم الفن السابع الاهتمام بالجيل الشاب ، ففي عام (2012) اطلقت المؤسسة العامة للسينما – وزارة الثقافة مشروع دعم سينما الشباب الذي بدأت فكرته كحلم ما لبث أن تُرجِم على أرض الواقع أفعالاً بات لها حضورها في المشهد الإبداعي ، يجمع فيما بينها أن النسغ المغذي لها من الشباب المتحمس المتسلح بالموهبة والمعرفة وبالروح الوقّادة للتجريب تستنهض ما لديهم من طاقات وأفكار ورؤى ليدلوا بها في فضاء لا حدود له من العطاء والسحر ، هو سحر السينما ، لتغدو مع الأيام وتراكم التجربة والخبرة حراكاً فنياً ثقافياً سينمائياً يرفد الحراك القائم ، يكون له لونه المتفرد الذي يمايزه ويعكس مدى أهميته في تأسيس صناعة سينمائية بيد شباب مبدع يكشف الكنوز المُخبأة ويحتضن المواهب الحقة ويعمل على تفعيلها بالإطار الصحيح ، مساهمة في دفع عجلة التطوير في الاتجاه الصحيح ، وقد قدمت المؤسسة العامة للسينما للمشروع الوسائل الكفيلة بإنضاجه بما فيها المعدات التقنية والمونتاج ومبلغ مالي للإنتاج ، وتمت عمليات التصوير في مختلف المناطق في سورية .
منذ بداية مشروع دعم سينما الشباب كان القرار جدّياً في المضي به قدماً ، ليكون لبنة أساسية ضمن خطط العمل المستقبلي وظهر جلياً الإصرار على ترسيخ هذه التجربة من خلال بنية سعت إلى تطوير المشروع بشكل مستمر ولكن بشكل أكثر منهجية فانطلقت عام (2015) الدورات التخصصية التدريبية السنوية (دبلوم علوم وفنون السينما) لتشكّل الحامل الأكاديمي للمواهب الساعية إلى خوض غمار الفن السابع وذلك بالتعاون مع المركز العربي للتدريب الإذاعي والتلفزيوني . وضمن هذا الإطار لابد من الإشارة إلى مهرجان سينما الشباب والأفلام القصيرة الذي انطلقت شعلته الأولى عام (2014) وشكّل هو الآخر نافذة يتم من خلال عرض الأفلام المُنجزة ضمن المشروع لتتنافس في مسابقة رسمية تحكّمها لجنة خاصة.