الثورة اون لاين – سلام الفاضل:
“الدخول إلى عالم الشاعر عمر بن أبي ربيعة يعني أن يخطو المرء في مدارج التيه والنعمة والجمال، واللهو العابث، المقترن بالغنج والترف والدلال، وأن تسحره اللوحات المشرقة بالألوان التي تمثّل صورة تلك الحياة.
وولوج هذا العالم الساحر من خلال كتاب للعقاد يعني أن يمضي المرء في رياض الجمال والأناقة مستعيناً بلغة العقاد الناصعة، وعباراته الجزلة الرصينة، ومفرداته المنتقاة بعناية بالغة، ومستنيراً بفكره المتّقد، وذائقته الراقية، ومستهدياً بمحاكمته الواضحة، واستدلالاته المنطقية المحكمة”. بهذه الكلمات افتتحت د. هبة عبد الوهاب عقيل صفحات كتيبها الذي أعدّته ضمن سلسلة “ثمرات العقول”، وصدر مؤخراً بعنوان (المختار من كتاب “شاعر الغزل عمر بن أبي ربيعة” لعباس محمود العقاد) عن الهيئة العامة السورية للكتاب.
العقاد، نشأته، حياته، أعماله:
بدأت عقيل كتيبها بتقديم نبذة عن حياة الكاتب عباس محمود العقاد إذ بيّنت أنه من مواليد مدينة أسوان في صعيد مصر عام ١٨٨٩. حاز شهادة الدراسة الابتدائية عام ١٩٠٣، ومنعه انعدام المدارس الحديثة في محافظته أسوان، إلى جانب ضيق حال أسرته من متابعة تعليمه في القاهرة، لكن ذلك لم يمنعه من الاستمرار في تثقيف نفسه ، فعكف على القراءة، مكوناً لنفسه ثقافة موسوعية، في التاريخ الإنساني والفلسفة والأدب وعلم النفس وعلم الاجتماع.
شرع العقاد في عام ١٩٠٧ خوض غمار ميدان الصحافة، فعمل في أشهر الصحف والمجلات المصرية يوم ذاك، كجرائد (الدستور، والمؤيد، والأهرام… وسواها)، وبقي على هذا الحال من النشاط في العمل الصحفي إلى ما بعد عام ١٩٣٥، حيث اتجه إلى التأليف، وراح نشاطه الصحفي يقلُّ تدريجياً.
نظم العقاد الشعر وله فيه عشرة دواوين منها: (يقظة الصباح، وهج الظهيرة، أشباح الأصيل…)، كما كتب عشرات الكتب في موضوعات مختلفة، إذ كتب في الأدب والتاريخ والاجتماع، ووضع في الدراسات النقدية واللغوية، وله كتب في السياسة، إلى جانب تراجم عميقة وضعها لأعلام من الشرق والغرب، ولعل من أهم مؤلفاته (العبقريات) التي تناول فيها أعلام الإسلام، وكانت غايته منها رسم صورة للشخصية، تعرّف القارئ بها، وتجلو خلائقها، وبواعث أعمالها، وكتابه (الديوان في الأدب والنقد) الذي ألفه بالاشتراك مع المازني عام ١٩٢١.
توفي العقاد عام ١٩٦٤ تاركاً ميراثاً ضخماً من المؤلفات والمقالات الصحفية، والدراسات النقدية، والدواوين الشعرية.
كتاب (شاعر الغزل)
انتقلت عقيل تالياً إلى الغوص في خصائص كتاب (شاعر الغزل) الذي أداره العقاد حول الشاعر (عمر بن أبي ربيعة) أحد أبرز شعراء الغزل، وشعراء قريش، وشعراء الحجاز في عصر بني أمية.
وأوضحت عقيل بأن العقاد لم يسلك في ترجمته لهذا الشاعر سبيلاً مألوفة نمطية، فلم يهتم بحشد الأخبار والموازنة بينها، لأن غايته تقتصر على إبراز جوانب محددة من شخصية عمر التي كان لها أثر واضح في فنه، ولذلك نجده يقول في كتابه: “فنحمد الله على أن ما اختلف فيه التاريخ من أنباء الشاعر ليس مما يغير أو يبدل في حقيقته الشعرية، أو حقيقته الفنية التي تعنينا، وتعني القرّاء”.
وتستكمل عقيل تناولها لمادة الكتاب، وكيفية تقسيمه فتبيّن أن العقاد وزع كتابه على عنوانات فرعية، اهتم فيها بنشأة الشاعر، وعصره، وطبيعة غزله، وصناعته، والصدق الفني في شعره، وذوقه في جمال المرأة، وعرض بعض نوادره وأخباره، لينهي كتابه باختيارات من أشعاره.
وكان في ذلك كله يعرض لمادته عرضاً أنيقاً مبسطاً سلساً، مع مناقشة وافية لكل فكرة، يستقصي أبعادها، ويأخذ بأطرافها، عارضاً حجته بكل ما أوتي من نصاعة التعبير، ووضوح اللغة، والقدرة على الإقناع بالتحليل المنطقي، والمقارنة، وتعزيز الرأي بالشعر المناسب.
بقي أن نشير ختاماً إلى أن هذا الكتيب يقع في ١٠٣ صفحات من القطع المتوسط.
