الثورة- ترجمة هبه علي:
في أول زيارة رسمية له إلى موسكو بعد التحول السياسي الكبير في دمشق وسقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، بدأ وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ما وصف بـ”جولة محادثات حاسمة” مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، الهدف منها إعادة صياغة العلاقات الثنائية بين دمشق وموسكو على أسس جديدة.
وخلال مؤتمر صحفي مشترك في العاصمة الروسية، أكد الشيباني على تطلع سوريا إلى بناء “علاقة جديدة وسليمة” مع روسيا، تقوم على الاحترام المتبادل والتعاون الحقيقي، وتتجاوز عقوداً من الشراكة التي حددتها إلى حد كبير المصالح العسكرية والأمنية، وقال: “ندخل مرحلة إعادة الإعمار، ونحتاج إلى جميع الشركاء… هذه لحظة محورية في العلاقات السورية الروسية، ونتطلع إلى تعاون روسي شامل لدعم العدالة الانتقالية في سوريا”.
وأعلن عن تشكيل لجنتين مشتركتين لمراجعة جميع الاتفاقيات السابقة، مؤكدا أن “فصلا جديدا قد بدأ، وأن روسيا قادرة على لعب دور محوري في إعادة إعمار سوريا بعد الحرب”.
وفي تصريحات لصحيفة “ميديا لاين” أكد الدكتور نزار عبد الكريم، أستاذ العلاقات الدولية المقيم في دمشق أن الزيارة تمثل “اختبارا مبكرا لنوايا موسكو أكثر من كونها إعلانا للشراكة”، مشيرا إلى أن روسيا تدرك تماما أن علاقتها بدمشق لم تعد كما كانت في عهد الأسد، ويجب الآن إعادة تقييمها وفقا لذلك.
ما يحدث الآن ليس تعزيزا لتحالف قديم، بل إعادة تفاوض عليه، قد تكون موسكو شريكا محتملا في إعادة الإعمار، لكن عليها أيضا تقديم ضمانات بدعم انتقال سوريا نحو دولة أكثر توازنا- داخليا وخارجيا- بدلا من أن تبقى راعية لنظام تابع.
وفي تصريحات مماثلة قالت ليلى حمود، المحللة السياسية المقيمة في برلين: “لا تزال دمشق بحاجة إلى مظلة روسية في ظل ديناميكيات القوة الهشة”، وإن الحديث عن “علاقة جديدة” قد يكون سابقا لأوانه، نظرا للمرحلة الانتقالية الجارية في سوريا.
لا تزال روسيا لاعباً رئيسيا في المشهد السوري، ولولا موقفها في مجلس الأمن الدولي، لما سارت عملية انتقال السلطة في دمشق بسلاسة، يدرك الشيباني أن سوريا لا تستطيع إعادة بناء نفسها أو مواجهة تحدياتها الأمنية دون شراكات استراتيجية، وفي مقدمتها روسيا.
وأشارت حمود أيضاً إلى أن التحول في الخطاب السوري تجاه موسكو لا يشير بالضرورة إلى تغيير جذري في ميزان القوى، وقالت: “يبدو هذا أشبه بإعادة ترتيب للعلاقة، وليس زعزعة لجوهرها الراسخ”.
من جانبه، أكد لافروف التزام موسكو بسوريا موحدة، وأن “إسرائيل انتهكت قرارات الأمم المتحدة بشأن سوريا”، مشددا على أهمية الحفاظ على وحدة الأراضي السورية.
وأضاف لافروف أن “روسيا لا تريد أن تصبح سوريا ساحة معركة للصراع الدولي، بل دولة مستقرة حيث يمكن إعادة الإعمار ويمكن للاجئين العودة”.
ودعا لافروف أيضاً إلى الرفع الكامل للعقوبات الغربية عن سوريا، واصفا الخطوات الأمريكية الأخيرة في هذا الاتجاه بـ”الإيجابية”، ووجه دعوة رسمية إلى الرئيس أحمد الشرع لحضور القمة الروسية العربية المقبلة في موسكو في تشرين الأول المقبل.
وبين تأكيدات موسكو بالدعم وجهود الحكومة السورية لإقامة علاقات خارجية أكثر توازناً، تبدو المرحلة المقبلة حاسمة في تشكيل مستقبل العلاقات السورية الروسية.
ورغم النبرة المتفائلة، تبقى أسئلة جوهرية: هل تتمتع دمشق بالاستقلال السياسي والاقتصادي اللازم لإعادة توجيه تحالفاتها الخارجية في ظل وطأة التبعيات التاريخية؟ وهل تستطيع موسكو إعادة تموضعها في سوريا كشريك مدني وتنموي بدلاً من مجرد داعم عسكري؟
المصدر- Media line