الدول المناهضة لسياسات الغطرسة الغربية، لا تنفك عن المطالبة والتأكيد على ضرورة التزام المجتمع الدولي بميثاق الأمم المتحدة، وتسوية الخلافات وحلّ الأزمات الدولية عن طريق الحوار، ولكن هل تصبّ التصرفات الأميركية والأوروبية في هذا السياق؟، قطعاً لا، وهذا واضح من خلال استماتة الغرب لاستبدال قواعد القانون الدولي بآليات وقوانين خارجة عن حدود المنطق والعقل تساعده على تثبيت هيمنته، والتحكم في شؤون الدول الرافضة للانضواء تحت عباءته الاستعمارية.
مشكلة الولايات المتحدة، ومن خلفها الدول الأوروبية، أنها ترفض بشدة فكرة التعايش مع الحضور القوي والمؤثر الذي تفرضه الدول الصاعدة على المسرح العالمي، فهذه الفكرة تتعارض بالمطلق مع مشروعها الاستعماري، ولذلك فالدول الغربية لم تزل تسلك كلّ الطرق الملتوية للتنصل من القوانين والمواثيق التي تحكم نظام العلاقات الدولية، وترفع سقوف العداء ضد الآخرين، سواء عبر اعتداءاتها العسكرية، وتدخلاتها السافرة في شؤون الدول المستهدفة بإرهابها، أم من خلال استخدام سلاح العقوبات الأكثر تهديداً وتقويضاً للأمن والسلم الدوليين، وتريد أميركا من وراء ذلك فرض نموذج “ديمقراطيتها” على العالم، (هكذا يزعم ساستها ومسؤولوها)، ولكن حتى مفهوم تطبيقها لـ “ديمقراطيتها” الزائفة على مسار تعاملاتها مع الدول الأخرى، فإنه يخضع لمعايير لا أخلاقية تستند إلى قانون شريعة الغاب الذي تحاول تعميمه على العالم.
الولايات المتحدة تدفع بكلّ ثقلها نحو تكريس حالة الفوضى الدولية، كمخرج لأزماتها الداخلية والخارجية الناشئة بفعل فشلها المتراكم على أكثر من جبهة دولية، وربما ما يجري في سورية، يختزل مشهد الهزائم المتكررة لمخططاتها، وكيف قادها الفشل بالمراهنة على دعم الإرهاب، إلى الانخراط المباشر في العدوان، ثم إلى احتلال أجزاء من الأرض، والفشل بتحقيق أجنداتها السياسية، جرّها لانتهاج سياسة اللصوصية وسرقة الثروات الوطنية، وفشلها بكسر إرادة وصمود السوريين، جرّها نحو تشديد الحصار، وحتى مع فشلها الذريع بتعطيل الاستحقاق الرئاسي، فإننا نشاهد اليوم فصولاً أخرى من سياسة الضغوط والابتزاز، لتفخيخ مسار الحل السياسي، ومنع الشعب السوري من قطف ثمار انتصاراته المنجزة على الإرهاب، وتكبيله بسلسلة لا متناهية من العقوبات تزيد من معاناته المعيشية.
كلّ الجرائم الإرهابية والسياسية والاقتصادية التي ترتكبها الولايات المتحدة على الساحة الدولية بدعم من حلفائها وأتباعها الأوروبيين، تخضع لقانون شريعة الغاب ذاك، وتتجاهل أن الميثاق الأممي الذي يحكم مسار العلاقات الدولية، قائم على مجموعة قوانين دولية وضعتها كلّ دول العالم وصادقت عليها، ولكن هذه القوانين واضح أنها لا تتلاءم مع سياسة الهيمنة الغربية، ومن شأن تطبيقها الصارم أن تضع حداً لتلك السياسة، وهذا هو سبب امتناع الغرب عن الالتزام بميثاق الأمم المتحدة، ورفضه لسياسة الحوار التي تنتفي معها سياسة الإملاءات، فالغرب يلهث لفرض قواعده الخاصة، وهذا ما يزيد من حدة المواجهة على الساحة الدولية، ولكن هذا لا يعني بأن الغرب بقيادة أميركا سيكون بمقدوره تكريس قواعد الهيمنة إلى ما لا نهاية.
نبض الحدث- بقلم أمين التحرير ناصر منذر