الثورة أون لاين – ترجمة ميساء وسوف:
مع توقف المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة وإيران بحكم الأمر الواقع في فيينا، فإن إدارة بايدن تناقش الآن ما يجب فعله إذا انهارت هذه المحادثات، وقد ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن البيت الأبيض يناقش تشديد ضغوط العقوبات على تجارة النفط الإيرانية مع الصين، على الأرجح لدفع الحكومة الإيرانية إلى التعامل مع العملية الدبلوماسية بجدية أكبر، حسب زعمه.
وفي حين أن المحادثات لا تزال بعيدة عن الانقطاع، إلا أنه على إدارة بايدن أن تكون حكيمة وحذرة في اتخاذ عقوبات إضافية، وربما سيكون من الأفضل أن يتجنب البيت الأبيض السير على هذا الطريق على الإطلاق.
ما يناقشه المسؤولون الأميركيون الآن هو العودة بشكل أساسي إلى حملة الضغط الأقصى التي اتخذتها الإدارة السابقة وتعزيزها، وهي استراتيجية أضافت قدراً خطيراً من التوتر إلى منطقة مضطربة بالفعل.
سعت الولايات المتحدة لإيجاد طريقة للعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، الذي وضع إجراءات للتحقق وسقوفاً لبرنامج إيران النووي مقابل رفع العقوبات الاقتصادية الأميركية بشكل كبير بعد عدة جولات من التقدم المتواضع نسبياً منذ نيسان، وتباطأت المحادثات منذ منتصف حزيران ومن غير المرجح أن تُستأنف حتى منتصف آب عندما يؤدي الرئيس المنتخب حديثاً إبراهيم رئيسي اليمين.
في الواقع، هناك تكهنات بأن رئيسي قد يحاول استئناف المفاوضات من الصفر، على أمل الحصول على شروط أفضل من قبل واشنطن، وقد أصبحت إدارة بايدن محبطة بشكل متزايد، حيث أشار مسؤول كبير في وزارة الخارجية إلى أنه قد تأتي نقطة يكون فيها استمرار المفاوضات عديم الجدوى.
في حال انهيار المحادثات، ستحتاج الولايات المتحدة إلى خطة بديلة في الحافظة الخاصة بها، ومن الأفضل بكثير لواشنطن أن تستعد لهذا السيناريو عاجلاً وليس آجلاً، ومع ذلك من الصعب تفسير لماذا قد تفكر إدارة بايدن في مواصلة حملة الضغط الأقصى التي ثبت أن نتائجها عكسية للمصالح الأميركية.
عندما استقرت إدارة ترامب على استراتيجية الضغط الأقصى في ربيع عام 2018، كان هناك افتراض قوي داخل بيروقراطية الأمن القومي بأن الولايات المتحدة يمكن أن تجبر طهران بشكل أساسي على الاستسلام، كان المنطق بسيطاً بما فيه الكفاية، فكلما زاد الضغط الاقتصادي الذي تتعرض له الحكومة الإيرانية، زاد احتمال موافقتها على صفقة بشروط أميركية، قال وزير الخارجية الأميركي آنذاك مايك بومبيو في خطاب ألقاه في أيار 2018 موضحاً حملة العقوبات: “ستضطر إيران إلى الاختيار”.
السياسة العالمية أكثر تعقيداً بكثير مما كان يعتقده صناع السياسة في واشنطن. اتضح أن إيران نظرت إلى الاستسلام لأكبر خصم لها على أنه احتمال أكثر خطورة بكثير من تجاوز سنوات من الألم الاقتصادي.
كان للعقوبات الثانوية الأميركية تأثير اقتصادي سلبي هائل على الحكومة الإيرانية، حيث خفضت صادرات النفط الإيرانية بنسبة 76 في المئة بين عام 2017 ونهاية عام 2019 وحرمت طهران من عائدات تصل إلى 150 مليار دولار، ومع ذلك لم تكن إيران متفرجاً عاجزاً على الإطلاق، وبدلاً من المجيء إلى طاولة المفاوضات كما توقع المسؤولون الأميركيون، ردت طهران بأن زادت مخزونها من اليورانيوم المخصب عشرة أضعاف، وذلك للتعبير عن استيائها من سياسة الولايات المتحدة ولتعزيز نفوذها.
ومع ذلك فقد ارتفعت فرص نشوب حرب بين الولايات المتحدة وإيران بشكل كبير بعد تطبيق سياسة الضغط الأقصى الأميركية، حيث أصبحت إيران أكثر جرأة بشكل متزايد في الاستفادة من نفوذها وخاصة في العراق، ولحسن الحظ تم التمكن من تجنب الحرب.
ولكن بالنظر إلى التاريخ، من الصعب معرفة سبب رغبة إدارة بايدن في استئناف سياسة الضغط الأقصى التي صعّدت التوتر، وهذا أمر محير وخاصة عندما يحاول الرئيس بايدن إغلاق فصل واشنطن الطويل والمزعج في الشرق الأوسط.
وكما قال المسؤولون الأميركيون علناً، فإن المفاوضات النووية لم تمت ويجب أن يكون لدى الولايات المتحدة خطة بديلة جاهزة في حال فشلت المحادثات. ومن بين الاحتمالات العودة إلى طاولة المفاوضات سعياً وراء صفقة أصغر تتم فيها مقايضة تنازلات نووية أقل مقابل درجة أقل من تخفيف العقوبات. كما يجب أن تتصرف الولايات المتحدة أيضاً لمصلحتها الذاتية من خلال سحب حوالي 3500 جندي أمريكي لا يزالون منتشرين في سورية والعراق، مما سيقلل من احتمالات دخول واشنطن في قتال أوسع مع إيران.
لكن ما لا يجب على الولايات المتحدة فعله هو العودة إلى استراتيجية فاشلة ولا سيما سياسة الضغط الأقصى، وحتى لو فشلت المحادثات الجارية في فيينا، فإن العودة إلى نهج الضغط الأقصى سيكون له نتائج عكسية وخطيرة.