الوعي الفلسفي والوحدة في الفلسفة

الثورة أون لاين – سلام الفاضل:
أدرك أرسطو بنفاذ بصيرته معنى الوحدة في الفلسفة عندما قال: “إن الإنصاف يقتضي التسليم بأن بلوغ الحقيقة النهائية أمر صعب من ناحية، ويسير من ناحية أخرى. والدليل على ذلك أنه لا يوجد فيلسوف بمفرده قادر على تحصيل الحقيقة، لكن لا يمكن أن يفشل الفلاسفة، بشكل جماعي في بحثهم عنها، من حيث إن كل واحد منهم يقول شيئاً صائباً عن طبيعة الأشياء. وعلى هذا الأساس فإن أي إسهام فردي في الفلسفة لا يقدم إلا قليلاً، أو قد لا يقدم شيئاً، غير أنه من اتحاد جهود الفلاسفة جميعهم، يمكن الوصول إلى نتائح مهمة”.
وقد فهم الفارابي بعمق بالغ هذا الموقف الذي اتخذه أرسطو إزاء وحدة الفلسفة عندما أكّد أن: “الفلسفة واحدة على الرغم من اختلاف مذاهبها، لأنها تتبدل من زمان إلى زمان، ومن مدرسة إلى مدرسة، ومن معلم إلى آخر، من غير أن تتبدل غاياتها ومقاصدها. وإذا كانت الفلسفة واحدة كان من الواجب على الفيلسوف أن يجمع بين الآراء المختلفة للارتقاء منها إلى قمة واحدة تجمع بينها، وهذه القمة هي الحقيقة”.
وبعد هذه التأكيدات على وحدة الفلسفة يمكن الاستنتاج أن الوعي الفلسفي ليس أي وعي كان، نظراً لخصوصيته الفريدة، وارتباطه بأفراد قلائل عبر العصور اجترحوا طرقاً في التفكير تختلف جوهرياً عن طرق التفكير الأخرى، فكانوا بحق أبطال الوجود الذين نذروا أنفسهم للحقيقة.
ومن هنا تأتي أهمية الكتاب الصادر مؤخراً عن الهيئة العامة السورية للكتاب تحت عنوان (ماهية الوعي الفلسفي)، وهو من تأليف: د. علي محمد إسبر، والذي يركّز على تطوّر ضروب وعي الفلاسفة عبر تاريخ الفلسفة، من حيث ميزاتها التفكّرية، والوقوف عند المشكلات التي اهتموا بها، والإشارة إلى الفروقات بينهم لا بالتأكيد على طابعها السلبي المطلق؛ وإنما بحسبانها جزءاً من تطوّر الوعي الفلسفي نفسه في حركة تحفّز داخلي تتجه دائما باتجاه التقدم البنّاء.
قُسّم هذا البحث إلى بابين؛ يتألف الباب الأول من تمهيد وثلاثة فصول، في حين يتألف الثاني من تمهيد وفصلين.
وكان موضوع الباب الأول هو “أصل الوعي الفلسفي وتطوره في تاريخ الفلسفة”، وقد تمحور الفصل الأول منه على “الوعي الفلسفي اليوناني”، حيث قُسّم إلى ثلاثة أدوار أساسية، واكبتها حركة البحث، ففي الدور الأول تبيّن أن الهاجس الأساس لمختلف فلاسفته هو البحث عن مبادئ للوجود، في حين بحث الدور الثاني عن ماهيات للوجود، وأوضح الدور الثالث أن غاية الفلاسفة فيه كانت الحكمة العليا والاتجاه نحو الزهد.
وتابع الفصل الثاني هذا التأثير عينه، إذ تجلى أكثر ما تجلى في “الفلسفة الوسيطة العربية الإسلامية والمسيحية”، فبحث في الفلسفة العربية الإسلامية،ثم تناول موضوع علاقة الوعي الفلسفي بالوعي الديني في الفلسفة المسيحية، ليقف تالياً عند فلسفة النهضة بوصفها تأسيساً لوعي فلسفي يرهص بالفلسفة الحديثة؛ وكان موضوع الفصل الثالث هو “تجدد الوعي الفلسفي”، والنزعة العقلانية الجديدة التي ظهرت عند روّادها الأوائل، أمثال: ديكارت، واسبينوزا، ولايبنتز.
وانطلاقاً من معطيات الباب الأول تأسس الباب الثاني الموسوم بـ “الوعي الفلسفي بين المشكلة والمنهج”، حيث ركّز الفصل الأول منه على المشكلات الأساسية في تاريخ الفلسفة، والتي انقسمت إلى: مشكلة المعرفة – مشكلة الوجود – مشكلة الأخلاق. في حين أريد من الفصل الثاني تقديم تصوّر عن المنهج الفلسفي ناجم عن معاينة هذه المشكلات، وقد فُحصت من أجل محاولة إثبات صحة هذا التصور عن المنهج، ثلاثة مناهج بالغة الأهمية، وهي: منهج ديكارت الرياضي، ومنهج هيغل الجدلي، ومنهج هسرل الفينومينولوجي؛ وأُكّد في سياق هذا الفصل على الصلة الصميمية بين المنهج والمذهب في الفلسفة، وعلى إمكانية أن يكون الوعي الفلسفي في حقيقته عبارة عن نسق يتآزر فيه المنهج والمذهب في إطار فعّالية أساسية هي الفعالية التركيبية، إضافة إلى أن هذا النسق قد يكون قادراً ضمن هذا الأفق على توسّل طرائق أو أدوات منهجية متعددة تقتضيها الحاجة البحثية.
بقي أن نشير ختاماً إلى أن هذا الكتاب يقع في ٥٤٤ صفحة من القطع الكبير

آخر الأخبار
أسواق حلب.. معاناة نتيجة الظروف المعيشية الصعبة مهارات التواصل.. بين التعلم والأخلاق "تربية حلب": 42 ألف طالب وطالبة في انطلاق تصفيات "تحدي القراءة العربية" درعا.. رؤى فنية لتحسين البنية التحتية للكهرباء طرطوس.. الاطلاع على واقع مياه الشرب بمدينة بانياس وريفها "الصحة": دعم الولادات الطبيعية والحد من العمليات القيصرية المستشار الألماني الجديد يحذر ترامب من التدخل في سياسة بلاده الشرع: لقاءات باريس إيجابية وتميزت برغبة صادقة في تعزيز التعاون فريق "ملهم".. يزرعون الخير ليثمر محبة وفرحاً.. أبو شعر لـ"الثورة": نعمل بصمت والهدف تضميد الجراح وإح... "الصليب الأحمر": ملتزمون بمواصلة الدعم الإنساني ‏في ‏سوريا ‏ "جامعتنا أجمل" .. حملة نظافة في تجمع كليات درعا سيئول وواشنطن وطوكيو تتفق على الرد بحزم على استفزازات بيونغ يانغ تنفيذي الصحفيين يجتمع مع فرع اللاذقية درعا.. تبرع بالدم لدعم مرضى التلاسيميا غارات عنيفة على النبطية .. ولبنان يدعو لوقف الاعتداءات الإسرائيلية "زراعة القنيطرة".. دعم الفلاحين بالمياه والمستلزمات للزراعات الصيفية فلاحو درعا يطالبون بتخفيض أسعار الكهرباء توفير الأسمدة والمحروقات أول عملية وشم واسعة النطاق للخيول الأصيلة في دير الزور إدلب: في أول جولة له بالمحافظة.. وزير الاقتصاد يطَّلع على الواقع الصناعي والتجاري مرتبطة بسمعة الطبيب السوري.. كيف يمكننا الاستثمار في السياحة العلاجية