ثورة أون لاين – رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم
يضع الأميركي كامل ثقله، ويستجمع كل أوراقه، ويبدي أقصى درجات اهتمامه بمسار المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية وبما يفوق ما عداها، ويكاد وزير الخارجية الأميركية يعسكر في الأراضي المحتلة
ليسجل رقماً غير مسبوق في تاريخ الجولات المكوكية في المنطقة لمصلحة تلك المفاوضات، فيما يحيّد أي ملف آخر، بانتظار ما تؤول إليه تلك الجهود التي تشكل المقياس بالنسبة للأميركي، ومعياراً لمدى التأثير السياسي بعد التقلبات في بورصة النظام العالمي.
وفيما يحاول جون كيري أن تكون معظم جهوده، والكثير من مباحثاته خارج الأضواء، تغلب اللغة الضبابية والتضارب في التسريبات والتسريبات المضادة على ما يرد من تفاصيل، بحيث ينحصر الحديث في العناوين العامة التي لا تغني ولا تسمن، ويضاف إلى هذا وذاك أن الإعلام العربي والعالمي ليسا مشغولين بالكثير مما يجري خلف الكواليس.
وإذا كان من المحسوم سلفاً أن التعمد الأميركي في التفرد بقيادة الملف دون أن يشرك احداً حتى من أصدقائه وحلفائه له مبرراته، فإن ما ينتظره من أدواته في المنطقة لا يزال مدرجاً في لائحة الحسابات التي تتطلب دفعات سياسية لاحقة حين تصبح قابلة للمساومة على ملفات أخرى في المنطقة مرتبطة بها، وقد تكون أحد أسبابها.
ورغم أن كلمات الشكر التي أسهب كيري في إغداقها على نتنياهو، لا تخلو من الدلالة بما تحمله من رسائل متعددة الأشكال والأهداف، ولا يمكن أن تمر دون أن تثير وابلاً من الأسئلة المرافقة لتطورات المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية، فإن ما تشي به التسريبات المتبادلة إسرائيلياً وأميركياً عن تدوير متسارع للزوايا التي حافظت على تطابقها، يزيد من الإلحاح على التوقف والتمعن في ذلك الإطراء غير المسبوق من قبل الدبلوماسية الأميركية.
لن ندخل في الحسابات التفصيلية لقياس الزوايا ومدار الرؤية وبالتالي معرفة من ساير الآخر، وما هي الصفقة التي جرت وتجري، ومن اقترب أو ابتعد حتى تطابقت الزوايا، بحكم أن المسافات الفاصلة استناداً إلى التصريحات العلنية كانت تشي بصعوبة الاقتراب أو التقارب، لكنها تكفي للاستدلال على ما يريد الأميركي أن يوصله في لحظة مفصلية تقف فيها المنطقة على أبواب متغيرات ناتجة عن التطورات القائمة في الكثير من ملفاتها المزمنة أو المستجدة على الساحة السياسية، رغم محاولات التعطيل في الملف الإيراني والمماطلة في التحضيرات لإطلاق المؤتمر الدولي حول سورية.
وفيما يروج الأميركي لمجموعة من الأفكار «الخلاقة» على مقاس «الفوضى الخلاقة» التي يتحف المنطقة بفصولها منذ سنوات، يحاول الإسرائيلي أن يتقمص دور المستجيب للطروحات الأميركية، وتحديداً تلك التي يباهي اليوم بأنها غير مطروحة سابقا، ولم يتم التداول فيها من قبل، وهو يعكس اتفاقاً ضمنياً يفضح ما كشفته الكواليس عن أن الأفكار ليست سوى منتج إسرائيلي والتظهير جاء أميركياً.
حين ينشغل كيري في شكر نتنياهو، ثمة مؤشرات تحتاج إلى إعادة توضيح، واستفسارات تبحث عن شرح تقتضيه الضرورة بحكم العلاقة التي تربط الجانبين، ومن ثم يصبح لزاماً علينا البحث في التفاصيل التي تخفيها الكواليس وما يتم التحضير له في المحاولة الأخيرة لقلب الطاولة رأساً على عقب، وربما للمساومة والابتزاز في الملفات الأخرى على قاعدة أن الأميركي لن يدخل في معادلة فرق الحسابات دون أن يضمن ما يكفي من أوراق، وتصفية القضية الفلسطينية يريدها جائزة الترضية النهائية عن خدماته في المنطقة.
بالطبع يستطيع جون كيري أن يحاجج بأن إحدى عشرة ساعة من المحادثات مع نتنياهو كانت كافية لكي ينتزع ما يمكن التعويل عليه في إطلاق المفاوضات على مقاس الرغبات الاسرائيلية في رسالة واضحة بأن لديه ما يكفي من الوقت لكي يعيد خلط الأوراق، لكن لن يكون بمقدوره أن يخفي أصابع إدارته وهي تحاول إعادة خلط الأوراق في رهان أخير وفرصة أخيرة قد لا تتكرر في تصفية القضية الفلسطينية، وحينها لن يبقى في المنطقة ما هو غير جاهز للمساومة أميركياً حوله، وربما للصفقات الشاملة التي يغلق عبرها الأميركي كل ملفاته، قبل أن يدير ظهره لقضايا المنطقة ولأدواته فيها.
a.ka667@yahoo.com