الملحق الثقافي: حبيب الإبراهيم:
ارتبط اسم الشاعر الكبير «سليمان العيسى» بالأطفال، فأعطاهم عصارة فكره وإبداعه قصائد خالدة، ردّدها أطفال سورية والوطن العربي، عبر عقودٍ متلاحقة، فكانت رفيقة لهم في مناهجهم ومناسباتهم، في فرحهم ولهوهم، في حلّهم وترحالهم، حتى باتت جزءاً لا يتجزأ من حياتهم، في حاضرهم ومستقبلهم.
فمن منا لا يتذكر تلك الأناشيد العذبة، ببساطة مفرداتها وعذوبة موسيقاها، وجملها الرقيقة وصورها البديعة؟..
من منا لا يتذكر أنشودة: «ماما ماما، الأرنب، الرسام الصغير، النجار، فلسطين داري» وغيرهم؟.
هي أناشيد كانت رفيقة للأطفال، ومسرحاً خصباً لأخيلتهم المفتوحة على المدى، فقد كان الشاعر الكبير قريباً منهم، يكتب لهم ويمضي بكلّ محبةٍ إلى حيث يريدون ويفكرون، فكانت أشعاره نبعاً صافياً، ومنهلاً عذباً لكلّ الأجيال.
من قريته «النُّعيرية» الغافية على ضفاف العاصي، غربي مدينة أنطاكية في لواء اسكندرونة، كانت ولادته عام 1921، تلقى ثقافته الأولى على يد أبيه الشيخ أحمد العيسى في القرية، تحت شجرة التوت التي تظلّل باحة الدار، حفظ القرآن والمعلقات وديوان المتنبي وآلاف الأبيات من الشعر العربي، وبدأ كتابة الشعر في التاسعة أو العاشرة من عمره، وكان أول ديوان من شعره، في القرية، وقد تحدث فيه عن هموم الفلاحين ومعاناتهم وبؤسهم وفقرهم..
دخل المدرسة الابتدائية في مدينة أنطاكية، فوضعه المدير في الصف الرابع مباشرة. شارك بقصائده القومية والوطنية، في المظاهرات والنضال القومي، الذي خاضه أبناء اللواء ضد الاغتصاب، وكان في الصف الخامس والسادس الابتدائي …
غادر لواء الاسكندرونة، بعد سلخه عن الوطن الأم سورية، عام 1939 ليتابع مع رفاقه الكفاح والنضال ضد الانتداب الفرنسي.. تابع دراسته الثانوية في ثانويات حماة واللاذقية ودمشق، وفي هذه الفترة، ذاق مرارة التشرّد، وعرف قيمة الكفاح في سبيل الأمة العربية ووحدتها وحرِّيتها، وبسبب قصائده الوطنية والقومية، ودوره في مقارعة الاحتلال، وفضح سياساته وجرائمه، دخل السجن أكثر من مرّة..
شارك أيضاً في تأسيس البعث منذ البدايات، وهو طالب في ثانوية جودت الهاشمي «التجهيز الأولى» في دمشق، وذلك أوائل الأربعينيات من القرن الماضي.
تخرج من دار المعلمين العالية في بغداد، ليعود إلى حلب عام 1947 ويُعين في ثانوياتها مدرّساً للغة العربية والأدب العربي، وبقى فيها حتى انتقل إلى دمشق، وعمل موجهاً أولاً للغة العربية في وزارة التربية .
اتجه إلى كتابة شعر الأطفال بعد نكسة حزيران عام 1967، وشارك مع زوجته الراحلة الدكتورة «ملكة أبيض» في ترجمة العديد من الآثار الأدبية التي يُعتبر أهمها، آثار الكتّاب الجزائريين الذين كتبوا بالفرنسية، كما شارك مع زوجته وعدد من زملائه في ترجمة قصص ومسرحيات من روائع الأدب العالمي للأطفال. حصل على عدة جوائز عربية ودولية منها جائزة «لوتس» للشعر من اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا، وجائزة الإبداع الشعري، مؤسسة البابطين عام 2000م ، كما انتُخب عضواً في مجمع اللغة العربية بدمشق عام 1990م.
في الثامن من آب عام 2013 ترجل شاعر الطفولة تاركاً خلفه، رصيداً لا ينضب من القصائد والأناشيد والدواوين والمسرحيات الشعرية والغنائية للأطفال، إلى جانب الدراسات والأعمال المترجمة الأخرى، ومجموعة من الأناشيد الوطنية والقومية التي رددها ملايين الشباب العربي، من المحيط إلى الخليج، ومنها: نشيد البعث، شعلة البعث، شبيبة الثورة، طلائع البعث، الرواد، إلى النصر يا جيشنا، الأم العربية، الفتاة العربية، صوت المعلمين.
التزم الشاعر «سليمان العيسى» بقضايا وطنه وأمته، فكان بحقّ شاعر الطفولة والعروبة الكبير، وقيثارة الشّعر ونبعه الأصيل…
التاريخ: الثلاثاء10-8-2021
رقم العدد :1058