ترجمة الترجمة والعبث بها

الثورة اون لاين:

غدت الترجمة علما ونظرية قائمة بحد ذاتها ’ بل هي أهم النظريات الآن نظرا لما تؤديه الترجمة من دور ثقافي تفاعلي في العالم ,وهي الجسر الحقيقي للتفاعل الحضاري , وقد عني العرب بالترجمة واهتموا بها منذ القديم , ومع تطور الترجمة بدأت قضايا كثيرة تطرح من جديد , مثل لماذا نعيد ترجمة أعمال مترجمة , ولما نعمل على صقل أو اختزال ترجمات سابقة نغتالها ؟ هذه الأسئلة طرحها الدكتور عبد الرحمن الشرقاوي في أخبار الآداب المصرية من خلال بحث مهم ومطول نختزل منه , ونقتطف قوله :

من المهم أن نتفق أولاً أن إعادة الترجمة أمر جائز ومشروع طبعًا، فكل مترجم يقوم باختياراته وتفضيلاته اللغوية والأسلوبية التى تعبر عن فهمه الخاص . ويمكن أن تكون إعادة الترجمة بمثابة إنتاج نص جديد بفهم مغاير للترجمة القديمة . خلال حوار مع المترجم اليابانى الشهير نوتاهارا سبق أن نشرته أخبار الأدب فى مطلع عام 2019 أكد الأستاذ نوتاهارا أن إعادة الترجمة تحقق الكثير من الإتقان والاقتراب من روح النص ومن القارئ معًا . وضرب عددًا من الأمثلة التى كانت دليلاً على وجهة نظره منها ترجمات الأدب الروسى إلى اليابانية .

لكن إعادة الترجمة التى تحدث عنها المترجم اليابانى تعني أن يقوم مترجم تالٍ بإعادة ترجمة نص ما من أوله إلى آخره مستفيدًا من تطور معرفة اللغة الأصلية وسياقها الثقافي والفني وأن تكون مبنية على إدراك أن الترجمة الجديدة ستضيف إضافة قاطعة تتخطى مجرد البدائل المعجمية البسيطة والمسائل التحريرية العادية .

ماذا إذن عن الترجمات التي نرى أن لنا عليها ملاحظات لا يمكن كتمانها؟ يمكن أن نجد عدة بدائل تتدرج مع تدرج مستوى الملاحظات حول الترجمة . فيمكن أولاً أن يكتب من يرى بعض الأخطاء مقالاً يوضح فيه مشكلات الترجمة . ويمكن أن يصل الأمر حد اتخاذ قرار بإعادة الترجمة لأن الترجمة المتاحة تهدر قيمة النص الأصلي .

قد يرى البعض أن هناك ترجمة عظيمة بها عيوب واضحة لكنها تظل ترجمة عظيمة لا ينبغى إنكارها، بل يقتضى الأمر إعادة طباعتها . هنا يمكن أن يقوم ناشر بإعادة طباعتها مع مقدمة وافية بميزاتها وأسباب إعادة نشرها مع النص على عيوبها حتى يتابعها القارئ خلال قراءته، ويمكن أن يتم هذا في ملحق يتلو نص الترجمة . ويجوز طبعًا أن يضع من يراجع الترجمة ملاحظات مباشرة فى هوامش مستقلة خاصة به عند المواضع التي يرى أنها لا تعبر عن الأصل بالدقة المطلوبة .

يمكن أن نقبل أي شيء، إلا أن يتم تعديل نص الترجمة تعديلاً لا يستطيع القارئ معه أن يميز الترجمة الأصلية عن التعديل الذى جرى في مرحلة متأخرة وبعد أن غاب المترجم عن العمل . يمكن أن يحدث اي شكل من التنويه عن الملاحظات أو المشكلات أو العيوب إلا أن يتم التعديل بحيث لا يعرف القارئ أين تم التغيير . إن هذا الفعل بمثابة خلط الأنساب . ويبدو من نافلة القول أن نقول إن إضافة اسم آخرعلى الترجمة القديمة يضيف إلى هذا العبث بالأنساب كثيرًا .

قبل تطور وسائل الطباعة، قدم العرب حلاً لهذه المشكلة من خلال نموذج المتن والشرح حيث يكون المتن في الأعلى وتحته الشرح وبينهما فاصل واضح لا يخطئه القارئ . وعندما يريد ثالث أن يضيف إليهما يضع ملاحظاته في الحواشي المحيطة بالصفحة .لهذا صار لدينا متن وشرح وحاشية . ويستطيع كل شخص أن يكتب ويعلق على سابقه بحرية وبحيث يستطيع المتلقي تمييز كلامه عن سابقه . كان هذا قديمًا، واليوم هناك وسائل أخرى متاحة في الترقيم وعلاماته تساعدنا كثيرًا وتحفظ لكل حقه .

من المهم المحافظة على الترجمة التي انتهى منها صاحبها كما هي لأسباب منها أن المترجم في ثقافتنا غالبًا ما كان هو صاحب المبادرة والقائم على تنفيذها رغم ضعف أو غياب الأجر المادي . وفي هذا الإطار فإننا نمحو أثره منها لنتركه بلا عائد مادي ولا أدبي . ثمة سبب ثانٍ أراه مهمًا أيضًا وهو أن الترجمة بصورتها الأخيرة بمثابة الوثيقة الشاهدة على عصرها وعلى فكر منتجها ومتلقيها على السواء . فعندما نتحدث عن الترجمات العربية القديمة لكتاب فن الشعر لأرسطو على سبيل المثال فإننا نجد استخدامًا خاطئًا للمصطلحات . لكن هذا الاستخدام الخاطئ دال على معرفة العرب بأنواع الشعر المختلفة خارج ثقافتهم أو بالأحرى عدم معرفتهم بها . وفي حالة ترجمة حسن عثمان للكوميديا الإلهية وما حذفه منها تحرجًا أو خوفًا من ردود فعل المتلقين، فإننا نستطيع أن نعرف الكثير عن رؤية حسن عثمان الدينية وتصوراته عن جمهوره وما يترتب على هذا من أفكار الرقابة الذاتية أو الخارجية التي تتعرض لها الأعمال عند ترجمتها . وإذ نظرنا إلى حالة عبدالله يوسف علي وترجمته لمعاني القرآن التي نشرها في ثلاثينيات القرن العشرين وخرج يروج لها عبر العالم حت أعاقته الحرب العالمي الثانية، فإن ترجمته تمثل فهمه واعتقاده الشخصي حول القرآن . وبالتالي فإننا عندما نرى من يحاول تعديل الترجمة فاننا نرى شخصًا يحاول التلاعب بكلام المترجم أو بموقفنا من هذا المترجم ومن مذهبه .

فإذا عدنا للترجمة الأصلية قبل العبث بها، فسنلاحظ أن المترجمين مختلفون في مستويات ظهورهم في النص المترجم؛ منهم من يسعى لإبراز حضوره ومنهم من يختفي بحيث لا يلاحظه القارئ . والنوع الأخير أكثر شيوعًا في الترجمات التجارية للأعمال المختلفة ومنها الأعمال الأدبية بشكل خاص . في المقابل نرى المترجم الحاضر في عمله قد يكون حضوره بطريق الفذلكة والادعاء فيختار الترجمات الشاذة أو غير المعتمدة للمفاهيم والمصطلحات في موضوع ترجمته، ومنهم من يسعى ليشرك القارئ معه في إدراك قيمة النص وصعوبة ترجمته من خلال الهوامش والحواشي الكثيرة.

كل هذا يمثل عبثًا بالترجمتين واعتداء على حقوق المترجمين وانتهاكًا لحرمة مترجمين راحلين دون مبرر مفهوم ودون عذر . هذا لا ينفي أن كلا الترجمتين بهما ما يستحق المراجعة والنقد، ورفض هذا الفعل أو الجرم لا ينفي استحقاق الكتابين الأصليين لترجمات جديدة جادة .

آخر الأخبار
أسواق حلب.. معاناة نتيجة الظروف المعيشية الصعبة مهارات التواصل.. بين التعلم والأخلاق "تربية حلب": 42 ألف طالب وطالبة في انطلاق تصفيات "تحدي القراءة العربية" درعا.. رؤى فنية لتحسين البنية التحتية للكهرباء "الصحة": دعم الولادات الطبيعية والحد من العمليات القيصرية المستشار الألماني الجديد يحذر ترامب من التدخل في سياسة بلاده الشرع: لقاءات باريس إيجابية وتميزت برغبة صادقة في تعزيز التعاون فريق "ملهم".. يزرعون الخير ليثمر محبة وفرحاً.. أبو شعر لـ"الثورة": نعمل بصمت والهدف تضميد الجراح وإح... "الصليب الأحمر": ملتزمون بمواصلة الدعم الإنساني ‏في ‏سوريا ‏ "جامعتنا أجمل" .. حملة نظافة في تجمع كليات درعا سيئول وواشنطن وطوكيو تتفق على الرد بحزم على استفزازات بيونغ يانغ تنفيذي الصحفيين يجتمع مع فرع اللاذقية درعا.. تبرع بالدم لدعم مرضى التلاسيميا غارات عنيفة على النبطية .. ولبنان يدعو لوقف الاعتداءات الإسرائيلية "زراعة القنيطرة".. دعم الفلاحين بالمياه والمستلزمات للزراعات الصيفية فلاحو درعا يطالبون بتخفيض أسعار الكهرباء توفير الأسمدة والمحروقات أول عملية وشم واسعة النطاق للخيول الأصيلة في دير الزور إدلب: في أول جولة له بالمحافظة.. وزير الاقتصاد يطَّلع على الواقع الصناعي والتجاري مرتبطة بسمعة الطبيب السوري.. كيف يمكننا الاستثمار في السياحة العلاجية