تتهيأ الولايات المتحدة لإفراغ سفارتها في أفغانستان بعد احتلالها لأكثر من عقدين من الزمن تحت مزاعم مكافحة الإرهاب وبناء الديمقراطية دون أن تحقق أي شيء من ذلك، وتركت البلاد عرضة لمزيد من الفوضى وعدم الاستقرار وسيطرة ذات الجهات التي عملت طوال الفترة الماضية على محاربتهم حسب زعمها، والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن إلى اين تتجه أنظار واشنطن لخلق بيئة غير مستقرة في العالم؟، في العراق يقترب الغزو الأميركي لهذ البلد العربي من تجاوز العقدين من الزمن بمبررات وادعاءات كاذبة وفي مقدمتها أسلحة الدمار الشامل العراقية، والشيء الوحيد الذي حققته واشنطن هو تدمير العراق وإنتاج بيئة سياسية غير مستقرة تهدد كيانه الجيوسياسي، إضافة لتحويله إلى ساحة للتنظيمات الإرهابية التي تديرها الولايات المتحدة وحلفاؤها، بهدف منع شعبه من طرد القوات الأميركية وإعادة بناء وطنه على أسس وطنية.
كل المؤشرات تقول إن الوضع المستقبلي للوجود الأميركي في العراق وسورية لن يكون بأحسن حال من أفغانستان وأنه سيأتي اليوم القريب وتقوم فيه واشنطن بسحب قواتها ومن ثم إغلاق سفارتها في بغداد لعدم قدرتها على حمايتهم، الملاحظ أن الولايات المتحدة تتعمد انتاج الأزمات والقلاقل في العالم، وهزيمتها في أفغانستان لم تمنعها من التدخل في الشؤون الداخلية لكوبا وقبلها بيلاروسيا وفنزويلا، الأمر الذي يمكن اعتباره جزءاً من استراتيجيتها العالمية وحاجتها الدائمة إلى مستنقع لتأكيد هيمنتها والحفاظ على مصالح شركاتها المصنعة للسلاح وتصدير أسلوب ديمقراطيتها المتوحش.
لا تجد الإدارات الأميركية المتلاحقة أي حرج في فشل سياساتها وتدخلاتها العسكرية والأمنية في نهاية المطاف، وهو الأمر الذي نجده بدءاً من الانسحاب من فيتنام ووصولاً إلى المغادرة السريعة من أفغانستان، وهذا يؤكد عدم اهتمام الولايات المتحدة بمصير هذه الدول والشعوب ولا بالأمن والاستقرار العالمي وفقاً للدور المناط بها كعضو دائم في مجلس الأمن، ولا بالناحية الإنسانية التي تضعها في قمة الذرائع حين تقوم بغزو أو احتلال دولة أخرى أو اتخاذ إجراءات عدوانية كما هو الحال بالإرهاب الاقتصادي الذي تمارسه على الشعب السوري، من الواضح أن هذه التدخلات الأميركية المختلفة الأشكال في شؤون الدول الأخرى وعلى مساحة العالم هي جزء من استراتيجيتها وبالتالي لا تجد واشنطن حرجاً في اتخاذ قرارات تخالف المبررات التي ساقتها لافتعال هذه الأزمات، وفي الحالة الأفغانية صحيح أن إدارة بايدن تركت البلاد ممزقة وعرضة لأحداث أمنية وسياسية خطيرة ولكن في الواقع هذا هو ما تريده في سياق سياستها التصعيدية ضد روسيا الاتحادية والصين وشرق آسيا عموما، حيث تقع أفغانستان في منطقة استراتيجية ولا ضير لدى واشنطن في تنشيط الوئام الذي لم ينقطع بين الاستخبارات الأميركية وحلفائها وبين طالبان والقاعدة وداعش وغيرها من التنظيمات الراديكالية المتطرفة بما يخدم في نهاية المطاف التوجه العام للسياسة الأميركية في شرق آسيا ومع روسيا الاتحادية.
لا شك أن انسحاب واشنطن وفشلها في إقامة حكومة موالية لها في أفغانستان يضر بسمعة الولايات المتحدة الأميركية على المستويين السياسي والإعلامي وعامل الريادة الذي تدعيه، وتزخر وسائل الإعلام الأميركية بالعديد من المقالات والآراء التي تنقد ذلك، وتسأل عن التكاليف المادية التي دفعها الشعب الأميركي ولكن هذه الأصوات ورغم ارتفاعها لم تغير إلى الآن هذه الاستراتيجية الأميركية القائمة على صناعة وتعميم الفوضى والتي تخدم الشركات الكبرى وخاصة شركات صناعة السلاح. يوفر الانسحاب الأميركي الغربي من أفغانستان فرصة جوهرية للعالم وخاصة للدول والمجموعات والأحزاب والكتل والتيارات السياسية والاجتماعية لإعادة التفكير ملياً في الاتكال على الولايات المتحدة في تحقيق أهدافها والاستفادة من دروس التدخلات الأميركية السياسية والعسكرية المريرة في العالم.
معاً على الطريق -احمد ضوا